أي متقدّمين إلى النار (وَمَثَلاً) أي عبرة وموعظة (لِلْآخِرِينَ) أي لمن جاء بعدهم يتعظون بهم والمعنى : انّ حال غيرهم يشبه حالهم إذا أقاموا على العصيان (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً) اختلف بالمراد به على وجوه (أحدها) ان معناه : ولما وصف ابن مريم شبها في العذاب بالآلهة فيما قالوه على زعمهم ، وذلك انه لما نزل قوله : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) قال المشركون : قد رضينا بأن تكون آلهتنا حيث يكون عيسى وذلك قوله (إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) أي يضجّون ضجيج المجادلة حيث خاصموك وهو قوله (وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ) أي ليست آلهتنا خيرا من عيسى ، فإن كان عيسى في النار بأنه يعبد من دون الله ، فكذلك آلهتنا.
(وثانيها) عن على عليه أفضل الصلوات قال : جئت إلى رسول الله (ص) يوما فوجدته في ملإ من قريش ، فنظر إليّ ثم قال : يا علي إنّما مثلك في هذه الأمة كمثل عيسى بن مريم ، أحبّه قوم فأفرطوا في حبّه فهلكوا ، وأبغضه قوم فأفرطوا في بغضه فهلكوا ، واقتصد فيه قوم فنجوا ، فعظم ذلك عليهم فضحكوا وقالوا : يشبّهه بالأنبياء والرسل فنزلت الآية (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً) أي ما ضربوا هذا المثل لك إلّا ليجادلوك به ويخاصموك ، ويدفعوك به عن الحقّ ، لأنّ المتجادلين لا بدّ وأن يكون أحدهما مبطلا بخلاف المتناظرين ، لأن المناظرة قد تكون بين المحقّين (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) أي جدلون في دفع الحقّ بالباطل.
ثم وصف سبحانه المسيح فقال : (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ) أي ما هو إلّا عبد أنعمنا عليه بالخلق من غير أب وبالنبوّة (وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) أي آية لهم ودلالة يعرفون بها قدرة الله تعالى على ما يريد حيث خلقه من غير أب ، فهو مثل لهم يشبّهون به ما يرون من أعاجيب صنع الله. ثم قال سبحانه دالا على كمال قدرته ، وعلى أنّه لا يفعل إلّا الأصلح (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ) أي بدلا منكم معاشر بني آدم (مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) بني آدم ، أي يكونون خلفاء منهم والمعنى : لو نشاء أهلكناكم وجعلنا الملائكة بدلكم سكّان الأرض يعمرونها ويعبدون الله.
٦١ ـ ٦٥ ـ ثم رجع سبحانه إلى ذكر عيسى (ع) فقال : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) يعني أنّ نزول عيسى (ع) من أشراط الساعة ، يعلم بها قربها (فَلا تَمْتَرُنَّ بِها) أي بالساعة ، فلا تكذّبوا بها ، ولا تشكّوا فيها (وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) معناه : واتّبعوني فيما آمركم به هذا الذي أنا عليه طريق واضح قيّم (وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ) أي ولا يصرفنّكم الشيطان بوساوسه عن دين الله (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) بيّن العداوة يدعوكم إلى الضلال الذي هو سبب هلاككم. ثم أخبر سبحانه عن حال عيسى (ع) حين بعثه الله نبيّا فقال : (وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ) أي بالمعجزات الدالة على نبوّته (قالَ) لهم (قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ) أي بالعلم بالتوحيد والعدل والشرائع (وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) المعنى : كلّ الذي تختلفون فيه (فَاتَّقُوا اللهَ) بأن تجتنبوا معاصيه ، وتعملوا بالطاعات (وَأَطِيعُونِ) فيما أدعوكم إليه (إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) الذي تحقّ له العبادة (فَاعْبُدُوهُ) خالصا ولا تشركوا به شيئا (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) يفضي بكم إلى الجنة وثواب الله (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) يعني اليهود والنصارى اختلفوا في أمر عيسى (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) قد مرّ تفسير الآية في سورة مريم.
٦٦ ـ ٧٥ ـ قال سبحانه موبّخا لهم (هَلْ يَنْظُرُونَ) أي : هل ينتظر هؤلاء الكفار بعد ورود الرسل والقرآن (إِلَّا السَّاعَةَ) أي القيامة (أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) أي فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أي لا يدرون وقت مجيئها (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ