النظر فيه ، والاستدلال على صحّته (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) يعني اليوم الذي يفصل فيه بين المحق والمبطل وهو يوم القيامة.
٤١ ـ ٥٠ ـ لمّا ذكر سبحانه أنّ يوم الفصل ميقات الخلق يحشرهم فيه ، بيّن أيّ يوم هو فقال (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً) فالمولى : الصاحب الذي من شأنه أن يتولّى معونة صاحبه على أموره فيدخل في ذلك ابن العمّ والناصر والحليف وغيرهم ممّن هذه صفته والمعنى : ان ذلك اليوم يوم لا يغني فيه وليّ عن وليّ شيئا ، ولا يدفع عنه عذاب الله تعالى (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) وهذا لا ينافي ما يذهب إليه أكثر الأمة من اثبات الشفاعة للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة (ع) والمؤمنين ، لأنّ الشفاعة لا تحصل إلّا بأمر الله تعالى واذنه ، والمراد بالآية انه ليس لهم من يدفع عنهم عذاب الله وينصرهم من غير أن يأذن الله له فيه ؛ وقد بيّن ما أشرنا إليه باستثنائه من رحمه منهم فقال (إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ) أي إلّا الذين رحمهمالله من المؤمنين فإنّه إما أن يسقط عقابهم ابتداء ، أو يأذن بالشفاعة فيهم لمن علت درجته عنده فيسقط عقاب المشفوع له لشفاعته (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ) في انتقامه من أعدائه (الرَّحِيمُ) بالمؤمنين. ثم وصف سبحانه ما يفصل به بين الفريقين فقال (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ) وقد مرّ تفسيره في سورة الصافات (طَعامُ الْأَثِيمِ) أي الآثم وهو أبو جهل (كَالْمُهْلِ) وهو المذاب من النحاس أو الرصاص أو الذهب أو الفضة (يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) أي إذا حصلت في أجواف أهل النار تغلي كغلي الماء الحارّ الشديد الحرارة (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ) أي إلى وسط النار ، وسمّي وسط الشيء سواء لاستواء المسافة بينه وبين أطرافه المحيطة به (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ) قال مقاتل إنّ خازن النار يمرّ به على رأسه فيذهب رأسه عن دماغه ، ثم يصبّ فيه (مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ) وهو الماء الذي قد انتهى حرّه ويقول له (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) يقول له الملك : ذق العذاب أيّها المتعزّز المتكرم في زعمك وفيما كنت تقوله (إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ) أي ثمّ يقال لهم إنّ هذا العذاب ما كنتم تشكون فيه في دار الدنيا.
٥١ ـ ٥٩ ـ ثم عقّب سبحانه الوعيد بذكر الوعد فقال (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) الذين يجتنبون معاصي الله لكونها قبائح ، ويفعلون الطاعات لكونها طاعات (فِي مَقامٍ أَمِينٍ) امنوا فيه الغير من الموت والحوادث وقيل : أمنوا فيه من الشيطان والأحزان عن قتادة (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) أي بساتين وعيون ماء نابعة فيها (يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) خاطب العرب فوعدهم من الثياب بما عظم عندهم ، واشتهته أنفسهم وقيل : السندس ما يلبسونه والاستبرق ما يفترشونه (مُتَقابِلِينَ) في المجالس لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض ، بل يقابل بعضهم بعضا وقيل معناه متقابلين بالمحبّة لا متدابرين بالبغضة (كَذلِكَ) حال أهل الجنة (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) قال الأخفش : المراد به التزويج المعروف يقال : زوّجته امرأة وبامرأة وقال غيره : لا يكون في الجنة تزويج والمعنى وقرنّاهم بحور عين (يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ) أي يستدعون فيها أيّ ثمرة شاؤوا واشتهوا غير خائفين فوتها ، آمنين من نفادها ومضرّتها وقيل : آمنين من التّخم والأسقام والأوجاع (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ) شبّه الموت بالطعام الذي يذاق ويتركه عند المذاق ، ثم نفى أن يكون ذلك في الجنة ، وإنّما خصّهم بأنّهم لا يذوقون الموت مع انّ جميع أهل الآخرة لا يذوقون الموت لما في ذلك من البشارة لهم بالحياة الهنيئة في الجنّة ، فامّا من يكون فيما هو كالموت في الشدّة فإنّه لا يطلق له هذه الصفة ، لأنّه يموت موتات كثيرة بما يقاسيه من العقوبة (إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) قيل معناه بعد الموتة الأولى وقيل معناه لكنّ الموتة الأولى قد