(وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ) أي وتنعم وسعة في العيش كانوا بها ناعمين متمتعين كما يتمتع الآكل بأنواع الفواكه (كَذلِكَ) معناه : كذلك أفعل بمن عصاني (وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ) ايراث النعمة : تصييرها إلى الثاني بعد الأول بغير مشقّة كما يصير الميراث إلى أهله على تلك الصفة ، فلما كانت نعمة قوم فرعون وصلت بعد هلاكهم إلى غيرهم كان ذلك ايراثا من الله لهم ، وأراد بقوم آخرين : بني إسرائيل لأنّهم رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) معناه : لم تبك عليهم أهل السماء والأرض لكونهم مسخوطا عليهم عن الحسن (وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) أي عوجلوا بالعقوبة ولم يمهلوا.
٣٠ ـ ٤٠ ـ ثمّ أقسم سبحانه بقوله (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ) الذين آمنوا بموسى (مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ) يعني قتل الأبناء ، واستخدام النساء ، والاستعباد ، وتكليف المشاق (مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً) أي متجبّرا متكبّرا متغلّبا (مِنَ الْمُسْرِفِينَ) أي المجاوزين الحدّ في الطغيان (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ) أي اخترنا موسى وقومه بني إسرائيل ، وفضّلناهم بالتوراة وكثرة الأنبياء منهم (عَلى عِلْمٍ) أي على بصيرة منّا باستحقاقهم التفضيل والاختيار (عَلَى الْعالَمِينَ) أي على عالمي زمانهم ، ويدلّ عليه قوله تعالى لأمّة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (وَآتَيْناهُمْ) أي وأعطيناهم (مِنَ الْآياتِ) يعني الدلالات والمعجزات مثل فلق البحر ، وتظليل الغمام ، وإنزال المنّ والسلوى (ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ) ما فيه شدّة وامتحان مثل العصا واليد البيضاء ، فالبلاء يكون بالشدّة والرخاء ، فيكون في الآيات نعمة على الأنبياء وقومهم ، وشدّة على الكفار المكذّبين بهم ثم أخبر سبحانه عن كفّار المكذّبين بهم ثم أخبر سبحانه عن كفّار قوم نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم الذين ذكرهم في أول السورة فقال (إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى) أي ما الموتة إلّا موتة نموتها في الدنيا ثم لا نبعث بعدها وهو قوله (وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ) أي بمبعوثين ولا معادين (فَأْتُوا بِآبائِنا) الذين ماتوا قبلنا وأعيدوهم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في أنّ الله تعالى يقدر على اعادة الأموات واحيائهم ، وقيل : إنّ قائل هذا أبو جهل بن هشام قال : إن كنت صادقا فابعث جدّك قصي بن كلاب ، فإنّه كان رجلا صادقا ، لنسأله عمّا يكون بعد الموت ؛ وهذا القول جهل من أبي جهل على وجهين ، أحدهما : انّ الاعادة إنما هي للجزاء لا للتكليف ، وليست هذه الدار بدار جزاء ، ولكنها دار تكليف ، والثاني : انّ الاحياء في دار الدنيا انما يكون للمصلحة فلا يقف ذلك على اقتراحهم. عدل سبحانه في اجابتهم الى الوعيد والوعظ فقال (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) أي أمشركو قريش أظهر نعمة ، وأكثر أموالا ، واعزّ في القوة والقدرة أم قوم تبّع الحميري؟ الذي سار بالجيوش حتّى الحيرة ، ثم أتى سمرقند فهدمها ثمّ بناها ، وكان إذا كتب كتب باسم الذي ملك برّا وبحرا ، وسمي تبّعا لكثرة أتباعه من الناس (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعني من تقدّمهم من قوم نوح وعاد وثمود (أَهْلَكْناهُمْ) معناه : انّهم ليسوا بأفضل منهم وقد أهلكناهم بكفرهم وهؤلاء مثلهم ، بل أولئك كانوا أكثر قوّة وعددا ، فإهلاك هؤلاء أيسر (إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) أي كافرين ، فليحذر هؤلاء أن ينالهم مثل ما نال أولئك (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) بل خلقناهما لغرض حكمي وهو أن ننفع المكلّفين بذلك ، ونعرضهم للثواب ، وننفع سائر الحيوانات بضروب المنافع واللذات (ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِ) معناه : ما خلقناهما إلّا للحق وهو الامتحان بالأمر والنهي ، والتمييز بين المحسن والمسيء لقوله : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا) الآية (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) صحّة ما قلناه لعدولهم عن