تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) أي حتى يضع أهل الحرب أسلحتهم فلا يقاتلون والمعنى : حتى تضع حربكم وقتالكم أوزار المشركين وقبائح أعمالهم بأن يسلموا فلا يبقى إلّا الإسلام خير الأديان ، ولا تعبد الأوثان (ذلِكَ) أي الأمر الذي ذكرنا (وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) أي من الكفار بإهلاكهم وتعذيبهم بما شاء (وَلكِنْ) يأمركم بالحرب وبذل الأرواح في إحياء الدين (لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) أي ليمتحن بعضكم ببعض ، فيظهر المطيع من العاصي والمعنى : انه لو كان الغرض زوال الكفر فقط لأهلك الله سبحانه الكفار بما يشاء من أنواع الهلاك ، ولكن أراد مع ذلك أن يستحقوا الثواب وذلك لا يحصل إلّا بالتعبد وتحمّل المشاق (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي في الجهاد في دين الله يوم أحد (فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) أي لن يضيع الله أعمالهم ولن يهلكها ، بل يقبلها ويجازيهم عليها ثوابا دائما (سَيَهْدِيهِمْ) إلى طريق الجنة والثواب (وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) أي شأنهم وحالهم (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ) أي بيّنها لهم حتى عرفوها إذا دخلوها وتفرّقوا إلى منازلهم ، فكانوا أعرف بها من أهل الجمعة إذا انصرفوا إلى منازلهم ، وقيل معناه : بيّنها لهم وأعلمهم بوضعها على ما يشوّق إليها ، فيرغبون فيها ، ويسعون لها ، وقيل معناه : طيّبها لهم ، عن ابن عباس.
٧ ـ ١٠ ـ ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ) أي ان تنصروا دين الله ونبيّ الله بالقتال والجهاد (يَنْصُرْكُمْ) على عدوّكم (وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) أي يشجعكم ويقوّ قلوبكم لتثبتوا ، وقيل : ينصركم في الآخرة ويثبّت أقدامكم عند الحساب وعلى الصراط ، وقيل : وينصركم في الدنيا والآخرة ، ويثبّت أقدامكم في الدارين ، وهو الوجه قال قتادة : حقّ على الله أن ينصر من نصره لقوله : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) ، وان يزيد من شكره لقوله (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) ، وأن يذكر من ذكره لقوله : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) ، وان يوفي بعهد من أقام على عهده لقوله : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ) أي مكروها لهم وسوءا قال إبن عباس : يريد في الدنيا العسرة ، وفي الآخرة التردي في النار (وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) مرّ معناه (ذلِكَ) التعس والاضلال (بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) على نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم من القرآن والأحكام ، وأمرهم بالانقياد فخالفوا ذلك (فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) لأنّها لم تقع على الوجه المأمور به. ثم نبّههم سبحانه على الاستدلال على صحة ما دعاهم إليه من التوحيد ، وإخلاص العبادة لله فقال (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) حين أرسل الله إليهم الرسل فدعوهم إلى توحيده وإخلاص العبادة له فلم يقبلوا منهم وعصوهم ، أي فهلّا ساروا ورأوا عواقب أولئك (دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ) أي أهلكهم. ثم قال (وَلِلْكافِرِينَ) بك يا محمد (أَمْثالُها) من العذاب ان لم يؤمنوا ويقبلوا ما تدعوهم إليه والمعنى : انهم يستحقون أمثالها وانما يؤخر الله سبحانه عذابهم إلى الآخرة تفضّلا منه.
١١ ـ ١٥ ـ ثم قال سبحانه (ذلِكَ) أي الذي فعلناه في الفريقين (بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) يتولى نصرهم وحفظهم ، ويدفع عنهم (وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) ينصرهم ، ولا أحد يدفع عنهم لا عاجلا ولا آجلا.
ثم ذكر سبحانه حال الفريقين فقال (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي من تحت أشجارها وأبنيتها (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) أي سيرتهم سيرة الأنعام ، آثروا لذّات الدنيا وشهواتها واعرضوا عن العبر ، يأكلون للشبع ، ويتمتعون لقضاء