من أفعالكم (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي امتنعوا عن اتباع دين الله ، ومنعوا غيرهم عن اتباعه تارة ، وبالاغواء أخرى (وَشَاقُّوا الرَّسُولَ) أي عاندوه وعادوه (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى) أي من بعد ما ظهر لهم انه الحق ، وعرفوا انه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ) بذلك (شَيْئاً) وإنّما ضرّوا أنفسهم (وَسَيُحْبِطُ) الله (أَعْمالَهُمْ) فلا يرون لها في الآخرة ثوابا. وفي هذه الآية دلالة على ان هؤلاء الكفار كانوا قد تبيّن لهم الهدى فارتدوا عنه فلم يقبلوه عنادا وهم المنافقون وقيل : انّهم أهل الكتاب ، ظهر لهم أمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فلم يقبلوه وقيل : هم رؤساء الضلالة جحدوا الهدى طلبا للجاه والرياسة ، لأن العناد يضاف إلى الخواص (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ) بتوحيده (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) بتصديقه وقيل : أطيعوا الله في حرمة الرسول ، وأطيعوا الرسول في تعظيم أمر الله (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) بالشك والنفاق عن عطاء وقيل بالرياء والسمعة عن الكلبي وقيل : بالمعاصي والكبائر عن الحسن (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) مضى معناه (ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) أي أصروا على الكفر حتى ماتوا على كفرهم (فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) أبدا لأن لفظ لن للتأبيد (فَلا تَهِنُوا) أي فلا تتوانوا ولا تضعفوا عن القتال (وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) أي ولا تدعوا الكفار إلى المسالمة والمصالحة (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) أي وأنتم القاهرون والغالبون عن مجاهد وقيل : إن الواو للحال ، أي لا تدعوهم إلى الصلح في الحال التي تكون الغلبة لكم فيها وقيل : انه ابتداء اخبار من الله عن حال المؤمنين انهم الأعلون يدا ومنزلة آخر الأمر وان غلبوا في بعض الأحوال (وَاللهُ مَعَكُمْ) أي بالنصرة على عدوّكم (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) أي لن ينقصكم شيئا من ثوابها ، بل يثيبكم عليها ويزيدكم من فضله عن مجاهد وقيل معناه لن يظلمكم عن ابن عباس وقتادة وإبن زيد.
٣٦ ـ ٣٩ ـ ثم حضّ الله سبحانه على طلب الآخرة فقال (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) أي سريعة الفناء والانقضاء ، ومن اختار الفاني على الباقي كان جاهلا ومنقوصا قال الحسن الذي خلقها هو أعلم بها (وَإِنْ تُؤْمِنُوا) بالله ورسوله (وَتَتَّقُوا) معاصيه (يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ) أي جزاء أعمالكم في الآخرة (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) كلها في الصدقة وان أوجب عليكم الزكاة في بعض أموالكم وقيل : لا يسألكم الرسول على أداء الرسالة أموالكم أن تدفعوها إليه (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ) أي يجهدكم بمسألة جميعها (تَبْخَلُوا) بها فلا تعطوها ، أي ان يسألكم جميع ما في أيديكم تبخلوا وقيل : فيحفكم : أي فيلطف في السؤال بأن يعد عليه الثواب الجزيل عن أبي مسلم (وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ) أي ويظهر بغضكم وعداوتكم لله ورسوله ، ولكنه فرض عليكم ربع العشر قال قتادة : علم الله ان في مسألة الأموال خروج الأضغان وهي الأحقاد التي في القلوب والعداوات الباطنة (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) يعني ما فرض عليهم في أموالهم ، أي إنّما تؤمرون بإخراج ذلك وإنفاقه في طاعة الله (فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ) بما فرض عليه من الزكاة (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) لأنّه يحرمها مثوبة جسيمة ، ويلزمها عقوبة عظيمة وهذه اشارة إلى أن معطي المال أحوج إليه من الفقير الآخذ فبخله بخل على نفسه وذلك أشد البخل قال مقاتل : إنّما يبخل بالخير والفضل في الآخرة عن نفسه وقيل معناه : فإنما يبخل بداع عن نفسه يدعوه إلى البخل ، فإن الله تعالى نهى عن البخل وذمّه فلا يكون البخل بداع من جهته (وَاللهُ الْغَنِيُ) عما عندكم من الأموال (وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) إلى ما عند الله من الخير والرحمة ، أي لا يأمركم بالإنفاق لحاجته