الْقُرْآنَ) بأن يتفكروا فيه ، ويعتبروا به (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) أراد قلوب هؤلاء ومن كان مثلهم (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ) أي رجعوا عن الحق والإيمان (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى) أي من بعد ما بان لهم طريق الحق وهم المنافقون ، كانوا يؤمنون عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ثم يظهرون الكفر فيما بينهم ، فتلك ردّة منهم وقيل : هم كفّار أهل الكتاب كفروا بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد عرفوه ووجدوا نعته مكتوبا عندهم ، عن قتادة (الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ) أي زيّن لهم خطاياهم عن الحسن وقيل : اعطاهم سؤلهم وأمنيتهم إذ دعاهم إلى ما يوافق مرادهم ، وهواهم ، عن أبي مسلم (وَأَمْلى لَهُمْ) أي طول لهم أملهم فاغتروا به وقيل : أوهمهم طول العمر مع الأمن من المكاره ، وأبعد لهم في الأمل والأمنية.
٢٦ ـ ٣٠ ـ ثم بيّن سبحانه سبب استيلاء الشيطان عليهم فقال (ذلِكَ) أي التسويل والإملاء (بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ) من القرآن ، والمروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) انهم بنو أميّة كرهوا ما نزل الله في ولاية علي ابن أبي طالب (ع) (سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) أي نفعل بعض ما تريدونه (وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) أي ما أسره بعضهم إلى بعض من القول ، وما أسروه في أنفسهم من الاعتقاد (فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ) أي فكيف حالهم إذا قبضت الملائكة أرواحهم (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) على وجه العقوبة لهم. ثم ذكر الله سبحانه سبب نزول ذلك الضرب فقال (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ) من المعاصي التي يكرهها الله ، ويعاقب عليها (وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ) أي سبب رضوانه من الإيمان وطاعة الرسول (فَأَحْبَطَ) الله (أَعْمالَهُمْ) التي كانوا يعملونها من صلاة وصدقة وغير ذلك لأنّها في غير إيمان. ثم قال سبحانه (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ) أي أحقادهم على المؤمنين ، ولا يبدي عوراتهم للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ) بأعيانهم يا محمد حتى تعرفهم (فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ) أي بعلاماتهم التي ننصبها لك لكي تعرفهم بها (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) أي وتعرفهم الآن في فحوى كلامهم ومعناه ، ومقصده ومغزاه لأن كلام الإنسان يدل على ما في ضميره ؛ وعن أبي سعيد الخدري قال : لحن القول : بغضهم عليّ بن أبي طالب (ع) قال : وكنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ببغضهم علي ابن أبي طالب (ع) ، وروي مثل ذلك عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، وعن عبادة بن الصامت ، قال : كنا نبور (١) أولادنا بحب علي (ع) فإذا رأينا أحدهم لا يحبه علمنا انه لغير رشدة وقال انس : ما خفي منافق على عهد رسول الله بعد هذه الآية (وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ) ظاهرها وباطنها.
٣١ ـ ٣٥ ـ ثمّ أقسم سبحانه فقال (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) أي نعاملكم معاملة المختبر بما نكلفكم به من الأمور الشاقة (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) أي حتى يتميز المجاهدون في سبيل الله من جملتكم ، والصابرون على الجهاد وقيل معناه : حتى يعلم أولياؤنا المجاهدين منكم ، واضافهم إلى نفسه تعظيما لهم وتشريفا كما قال : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) : أي يؤذون أولياء الله وقيل معناه : حتى نعلم جهادكم موجودا ، لأن الغرض أن تفعلوا الجهاد فيثيبكم على ذلك (وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) أي نختبر أسراركم بما تستقبلونه
__________________
(١) نبور : نختبر.