وَالْمُؤْمِناتِ) تقديره : إنّا فتحنا لك ليغفر لك الله ، إنّا فتحنا لك ليدخل المؤمنين والمؤمنات (جَنَّاتٍ) ولذلك لم يدخل واو العطف في ليدخل اعلاما بالتفصيل (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي من تحت أشجارها الأنهار (خالِدِينَ فِيها) أي دائمين مؤبدين لا يزول عنهم نعيمها (وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) أي عقاب معاصيهم التي فعلوها في دار الدنيا (وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً) أي ظفرا يعظم الله به قدره.
٦ ـ ١٠ ـ لمّا تقدّم الوعد للمؤمنين عقبه سبحانه بالوعيد للكافرين فقال (وَيُعَذِّبَ) الله (الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ) وهم الذين يظهرون الإيمان ، ويبطنون الشرك ، فالنفاق ، إسرار الكفر وإظهار الإيمان (وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) وهم الذين يعبدون مع الله غيره (الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ) أي هو ظنّهم ان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يعود إلى موضع ولادته أبدا (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) أي يقع عليهم العذاب والهلاك ، والدائرة : هي الرجعة بخير أو شر (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ) أي أبعدهم من رحمته (وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ) يجعلهم فيها (وَساءَتْ مَصِيراً) أي مآلا ومرجعا (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إنّما كرر لأن الأول متصل بذكر المؤمنين ، أي فله الجنود التي يقدر أن يعينكم بها ، والثاني متصل بذكر الكافرين ، أي فله الجنود التي يقدر على الانتقام منهم بها (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) في قهره وانتقامه (حَكِيماً) في فعله وقضائه. ثم خاطب نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال (إِنَّا أَرْسَلْناكَ) يا محمد (شاهِداً) على أمّتك بما عملوه من طاعة ومعصية وقبول وردّ ، أو شاهدا عليهم بتبليغ الرسالة (وَمُبَشِّراً) بالجنة لمن أطاع (وَنَذِيراً) من النار لمن عصى.
ثمّ بيّن سبحانه الغرض بالإرسال فقال (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ) أي تنصروه بالسيف واللسان ، والهاء تعود إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَتُوَقِّرُوهُ) أي تعظموه وتبجّلوه (وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) أي وتصلوا بالغداة والعشي (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ) المراد بالبيعة هنا بيعة الحديبية ، وهي بيعة الرضوان ، بايعوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على الموت (إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) يعني أن المبايعة معك تكون مبايعة مع الله ، لأن طاعتك طاعة الله ، وإنّما سميت بيعة لأنها عقدت على بيع أنفسهم بالجنّة للزومهم في الحرب النصرة (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) أي عقد الله في هذه البيعة فوق عقدهم لأنهم بايعوا الله ببيعة نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فكأنّهم بايعوه من غير واسطة عن السدّي وقيل معناه : قوّة الله في نصرة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم فوق نصرتهم إياه ، أي ثق بنصرة الله لك لا بنصرتهم وإن بايعوك عن ابن كيسان وقيل : نعمة الله عليهم بنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فوق أيديهم بالطاعة والمبايعة عن الكلبي وقيل : يد الله بالثواب وما وعدهم على بيعتهم من الجزاء فوق أيديهم بالصدق والوفاء ، عن ابن عباس (فَمَنْ نَكَثَ) أي نقض ما عقد من البيعة (فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) أي يرجع ضرر ذلك النقض عليه وليس له الجنة ولا كرامة (وَمَنْ أَوْفى) أي ثبت على الوفاء (بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ) من البيعة (فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) أي ثوابا جزيلا.
١١ ـ ١٥ ـ ثم أخبر سبحانه عمن تخلف عن نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ) أي الذين تخلفوا عن صحبتك في وجهتك وعمرتك ، وذلك انه لما أراد المسير إلى مكّة عام الحديبية معتمرا وكان في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة استنفر من حول المدينة إلى الخروج معه ، حذرا من قريش أن يعرضوا له بحرب أو بصدّ ، واحرم بالعمرة وساق معه الهدي ليعلم الناس انه لا يريد حربا ، فتثاقل عنه كثير من الأعراب فقالوا نذهب معه إلى قوم قد جاؤوه فقتلوا أصحابه ، فتخلفوا عنه واعتلوا بالشغل ، فقال