سبحانه : انّهم يقولون لك إذا انصرفت إليهم فعاتبتهم على التخلف عنك (شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا) عن الخروج معك (فَاسْتَغْفِرْ لَنا) في قعودنا عنك ، فكذّبهم الله تعالى فقال (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) كذبهم في اعتذارهم بما أخبر عن ضمائرهم وأسرارهم ، أي لا يبالون استغفر لهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أم لا (قُلْ) يا محمد (فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً) أي فمن يمنعكم من عذاب الله إن أراد بكم سوءا أو نفعا أي غنيمة عن ابن عباس ؛ وذلك انهم ظنوا انّ تخلّفهم عن النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يدفع عنهم الضر ، أو يعجل لهم النفع بالسلامة في أنفسهم وأموالهم ، فأخبرهم سبحانه انه ان أراد بهم شيئا من ذلك لم يقدر أحد على دفعه عنهم (بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) أي عالما بما كنتم تعملون في تخلفكم (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً) أي ظننتم أنهم لا يرجعون إلى من خلفوا بالمدينة من الأهل والأولاد ، لأن العدو يستأصلهم (وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ) أي زيّن الشيطان ذلك الظن في قلوبكم وسوله لكم (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) في هلاك النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) أي هلكى لا تصلحون لخير ، عن مجاهد وقيل : قوما فاسدين عن قتادة (وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً) أي نارا تسعرهم وتحرقهم (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) ذنوبه (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) اذا استحق العقاب (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) ظاهر المعنى. ثم قال (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ) يعني هؤلاء (إِذَا انْطَلَقْتُمْ) أيّها المؤمنون (إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها) يعني غنائم خبير (ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ) أي اتركونا نجيء معكم ، وذلك انهم لما انصرفوا من عام الحديبية بالصلح وعدهم الله سبحانه فتح خيبر ، وخصّ بغنائمها من شهد الحديبية ، فلما انطلقوا إليها قال هؤلاء المخلفون : (ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ) ، فقال سبحانه (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) أي مواعيد الله لأهل الحديبية بغنيمة خيبر خاصة ، أرادوا تغيير ذلك بأن يشاركوهم فيها ، عن ابن عباس ، وقيل : يريد أمر الله لنبيّه أن لا يسير معه منهم أحد. عن مقاتل (قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) أي قال الله بالحديبية قبل خيبر وقبل مرجعنا إليكم ان غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية لا يشركهم فيها غيرهم ، هذا قول ابن عباس ومجاهد وابن اسحاق وغيرهم من المفسرين ، وقال الجبائي : أراد بقوله : (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) قوله سبحانه : (فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) ، وهذا غلط فاحش ، لأن هذه السورة نزلت بعد الانصراف من الحديبية في سنة ست من الهجرة ، وتلك الآية نزلت في الذين تخلّفوا عن تبوك ، وكانت غزوة تبوك بعد فتح مكة ، وبعد غزوة حنين والطائف ، ورجوع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم منها إلى المدينة ، ومقامه ما بين ذي الحجة إلى رجب ، ثم تهيّأ في رجب للخروج إلى تبوك ، وكان منصرفه من تبوك في بقية رمضان من سنة تسع من الهجرة ، ولم يخرج صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد ذلك لقتال ولا غزو إلى أن قبضه الله تعالى ، فكيف تكون هذه الآية مرادة بقوله كلام الله وقد نزلت بعده بأربع سنين لو لا ان العصبية ترين على القلوب ، ثم قال (فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا) أي فسيقول المخلفون عن
__________________
عن الزهري قال : قال علي بن الحسين عليهماالسلام : لو مات من بين المشرق والمغرب لما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي ؛ وكان عليهالسلام إذا قرأ (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) يكرّرها حتى يكاد أن يموت. أصول الكافي : ٢ / ٦٠٢.