الحديبية لكم إذا قلتم هذا : لم يأمركم الله تعالى به ، بل أنتم تحسدوننا ان نشارككم في الغنيمة. فقال سبحانه ليس الأمر على ما قالوه (بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ) الحق وما تدعونهم إليه (إِلَّا قَلِيلاً) أي إلّا شيئا قليلا ، وقيل معناه : إلّا القليل منهم وهم المعاندون.
١٦ ـ ٢٠ ـ ثمّ قال سبحانه لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم (قُلْ) يا محمد (لِلْمُخَلَّفِينَ) الذين تخلفوا عنك في الخروج إلى الحديبية (مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ) فيما بعد (إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) وهم هوازن وحنين عن سعيد بن جبير وعكرمة وقيل هم هوازن وثقيف عن قتادة وقيل : هم ثقيف عن الضحاك وقيل : هم بنو حنيفة مع مسيلمة الكذاب عن الزهري وقيل : هم أهل فارس عن ابن عباس وقيل : هم الروم عن الحسن وكعب وقيل : هم أهل صفين أصحاب معاوية ، والصحيح : ان المراد بالداعي في قوله : ستدعون هو النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنّه قد دعاهم بعد ذلك إلى غزوات كثيرة ، وقتال أقوام ذوي نجدة وشدّة ، مثل أهل حنين والطائف ومؤتة إلى تبوك وغيرها فلا معنى لحمل ذلك على ما بعد وفاته (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) معناه : ان احد الأمرين لا بدّ أن يقع لا محالة وتقديره : أو هم يسلمون ، أي يقرّون بالإسلام ويقبلونه وقيل : ينقادون لكم (فَإِنْ تُطِيعُوا) أي فإن تجيبوا إلى قتالهم (يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً) أي جزاءا صالحا (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) عن القتال وتقعدوا عنه (كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ) عن الخروج إلى الحديبية (يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) في الآخرة (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) أي ضيق في ترك الخروج مع المؤمنين في الجهاد ، والأعمى الذي لا يبصر بجارحة العين (وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) في ترك الجهاد أيضا قال مقاتل : عذر الله أهل الزمانة والآفات الذين تخلفوا عن المسير إلى الحديبية بهذه الآية (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) معناه في الأمر بالقتال (وَمَنْ يَتَوَلَ) عن أمر الله وأمر رسوله فيقعد عن القتال (يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً. لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) يعني بيعة الحديبية ، وتسمّى بيعة الرضوان لهذه الآية ، ورضاء الله سبحانه عنهم هو إرادته تعظيمهم وإثابتهم ، وهذا اخبار منه سبحانه انه رضي عن المؤمنين اذ بايعوا النّبيّ صلىاللهعليهوآله في الحديبية تحت الشجرة المعروفة وهي شجرة السمرة (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ) من صدق النية في القتال ، والكراهة له لأنّه بايعهم على القتال عن مقاتل وقيل : ما في قلوبهم من اليقين والصبر والوفاء (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) وهي اللطف القويّ لقلوبهم والطمأنينة (وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) يعني فتح خيبر عن قتادة وأكثر المفسرين وقيل : فتح مكة عن الجبائي (وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها) يعني غنائم خيبر فإنّها كانت مشهورة بكثرة الأموال والعقار وقيل : يعني غنائم هوازن بعد فتح مكة عن الجبائي (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) أي غالبا على أمره (حَكِيماً) في أفعاله ، ولذلك أمر بالصلح وحكم للمسلمين بالغنيمة ، ولأهل خيبر بالهزيمة. ثم ذكر سبحانه سائر الغنائم التي يأخذونها فيما يأتي من الزمان فقال (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها) مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن بعده إلى يوم القيامة (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) يعني غنيمة خيبر (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) وذلك انّ النّبيّ صلىاللهعليهوآله لما قصد خيبر وحاصر أهلها همّت قبائل من أسد وغطفان ان يغيروا على أموال المسلمين وعيالهم بالمدينة فكفّ الله أيديهم عنهم بإلقاء الرعب في قلوبهم وقيل : إن مالك ابن عوف ، وعيينة بن حصين مع بني أسد وغطفان جاؤوا لنصرة اليهود من خيبر فقذف الله الرعب في قلوبهم وانصرفوا (وَلِتَكُونَ) الغنيمة التي عجلها لهم (آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) على صدقك حيث وعدهم أن يصيبوها فوقع المخبر على وفق الخبر (وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) أي ويزيدكم هدى بالتصديق