والمعنى : أنهم بادوا وهلكوا فصاروا كيبيس الشجر المفتت إذا تحطم.
٣٢ ـ ٤٢ ـ ثم أقسم سبحانه فقال : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) قال قتادة : أي فهل من طالب علم يتعلم (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ) أي بالإنذار ، وقيل : بالرسل على ما فسّرناه (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً) أي ريحا حصبتهم : أي رمتهم بالحجارة والحصباء قال ابن عباس : يريد ما حصبوا به من السماء من الحجارة في الريح قال الفرزدق :
مستقبلين شمال الشّام تضربنا |
|
بحاصب كنديف القطن منثور |
ثم استثنى آل لوط فقال (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ) أي خلصناهم (بِسَحَرٍ) من ذلك العذاب الذي أصاب قومه (نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا) أي انعاما فيكون مفعولا له ، ويجوز أن يكون مصدرا وتقديره : أنعمنا عليهم بذلك نعمة (كَذلِكَ) أي كما أنعمنا عليهم (نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) قال مقاتل : يريد من وحد الله تعالى لم يعذب مع المشركين (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ) لوط (بَطْشَتَنا) أي أخذنا إياهم بالعذاب (فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ) أي تدافعوا بالإنذار على وجه الجدال بالباطل وقيل معناه : فشكوا ولم يصدقوه وقالوا : كيف يهلكنا وهو واحد منا؟ (وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ) أي طلبوا منه أن يسلّم إليهم أضيافه (فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ) أي محوناها ، والمعنى : عميت أبصارهم عن الحسن وقتادة وقيل معناه أزلنا تخطيط وجوههم حتى صارت ممسوحة لا يرى أثر عين (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ) أي فقلنا لقوم لوط لما أرسلنا عليهم العذاب : ذوقوا عذابي ونذري (وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ) أي أتاهم صباحا عذاب نازل بهم حتى هلكوا جميعا (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ) ووجه التكرار أن الأول عند الطمس ، والثاني عند الائتفاك ، فكلما تجدد العذاب تجدد التقريع (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) مرّ معناه (وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ) أي متابعي فرعون بالقرابة والدين (النُّذُرُ) أي الإنذار وقيل : هو جمع نذير ، يعني الآيات التي أنذرهم بها موسى (كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها) وهي الآيات التسع التي جاءهم بها موسى (فَأَخَذْناهُمْ) بالعذاب (أَخْذَ عَزِيزٍ) أي قادر لا يمتنع عليه شيء فيما يريد (مُقْتَدِرٍ) على ما يشاء.
٤٣ ـ ٥٥ ـ ثم خوّف سبحانه كفار مكة فقال (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ) وأشد وأقوى (مِنْ أُولئِكُمْ) الذين ذكرناهم وقد أهلكناهم ، وهذا استفهام انكار ، أي لستم أفضل من قوم نوح وعاد وثمود لا في القوة ولا في الثروة ولا في كثرة العدد والعدة والمعنى : انه إذا أهلك أولئك الكفار فما الذي يؤمنكم أن ينزل بكم ما نزل بهم (أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ) أي ألكم براءة من العذاب في الكتب السالفة أنه لن يصيبكم ما أصاب الأمم الخالية (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) أي أم يقول هؤلاء الكفار : نحن جميع أمرنا ننتصر من أعدائنا والمعنى : أنهم يقولون : نحن يد واحدة على من خالفنا ، ننتصر ممن عادانا ، فيدلون بقوتهم واجتماعهم أي كما انهم ليسوا بخير من أولئك ولا لهم براءة ، فكذلك لا جمع لهم يمنع عنهم عذاب الله وينصرهم ، وإن قالوا : نحن مجتمعون متناصرون فلا نرام ولا نقصد ، ولا يطمع أحد في غلبتنا ، ثم قال سبحانه (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ) أي جمع كفار مكة (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) أي ينهزمون فيولونكم أدبارهم في الهزيمة ، ثم أخبر سبحانه نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه سيظهره عليهم ويهزمهم ، فكانت هذه الهزيمة يوم بدر ، فكان موافقة الخبر للمخبر من معجزاته. ثم