مشقة على النفس ، فمن سهل له طريق العلم فهو حقيق بأخذ الحظ الجزيل منه ، لأن التسهيل أكبر داع إليه ، وتسهيل القرآن للذكر هو خفة ذلك على النفس بحسن البيان ، وظهور البرهان في الحكم السنية ، والمعاني الصحيحة ، الموثوق بها لمجيئها من قبل الله تعالى ؛ وإنما صار الذكر من أجل ما يدعى إليه ويحث عليه لأنه طريق العلم ، لأن الساهي عن الشيء أو عن دليله لا يجوز أن يعلمه في حال سهوه (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أي متّعظ معتبر به ، ناظر فيه. ثم قال سبحانه (كَذَّبَتْ عادٌ) أي بالرسول الذي بعثه الله إليهم وهو هود (ع) ، فاستحقوا الهلاك فأهلكهم (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي) لهم (وَنُذُرِ) أي وإنذاري إياهم. ثم بيّن كيفية إهلاكهم فقال (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) أي شديدة الهبوب وقيل باردة عن ابن عباس وقتادة من الصر وهو البرد (فِي يَوْمِ نَحْسٍ) أي في يوم شؤم (مُسْتَمِرٍّ) أي دائم الشؤم ، استمر عليهم بنحوسته سبع ليال وثمانية أيام حتى أتت عليهم ، ومستمر من صفة اليوم أي يوم مستمر ضرره ، عام هلاكه وقيل : هو نعت للنحس ، أي استمر بهم العذاب والنحس في الدنيا حتى اتصل بالعقبى (تَنْزِعُ النَّاسَ) أي تقتلع هذه الريح الناس ثم ترمي بهم على رؤوسهم فتدق رقابهم فيصيرون (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) أي أسافل نخل منقلع ، لأن رؤوسهم سقطت عن أبدانهم (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) وهو تعظيم للعذاب النازل بهم ، وتخويف لكفّار مكّة.
٢٢ ـ ٣١ ـ ثم أقسم سبحانه فقال (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) قد فسّرناه وقيل : انه سبحانه إنّما أعاد ذكر التيسير لينبىء أنه يسّره على كل حال وكل وجه من وجوه التيسير ، فمن الوجوه التي يسر الله تعالى بها القرآن هو ان أبان عن الحكم الذي يعمل عليه ، والمواعظ التي يرتدع بها ، والمعاني التي تحتاج إلى التنبيه عليها ، والحجج التي يميز بها بين الحق والباطل (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ) أي بالإنذار الذي جاءهم به صالح (فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ) أي نتبع آدميا مثلنا وهو واحد (إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ) أي نحن إن فعلنا ذلك في خطأ وذهاب عن الحق (وَسُعُرٍ) أي وفي عناء وشدّة عذاب فيما يلزمنا من طاعته (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا) هذا استفهام انكار وجحود ، أي كيف ألقي الوحي عليه وخص بالنبوة من بيننا وهو واحد منا (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ) فيما يقول (أَشِرٌ) أي بطر متكبر يريد أن يتعظم علينا بالنبوة. ثم قال سبحانه (سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) وهذا وعيد لهم ، أي سيعلمون يوم القيامة إذا نزل بهم العذاب أهو الكذاب أم هم في تكذيبه ، وهو الأشر البطر أم هم ، فذكر مثل لفظهم مبالغة في توبيخهم وتهديدهم (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ) أي نحن باعثو الناقة بإنشائها على ما طلبوها معجزة لصالح ، وقطعا لعذرهم ، وامتحانا واختبارا لهم ، وهو أنهم تعنّتوا على صالح فسألوه أن يخرج لهم من صخرة ناقة حمراء عشراء تضع ، ثم ترد ماءهم فتشربه ثم تعود عليهم بمثله لبنا ، فقال سبحانه : إنا باعثوها كما سألوها فتنة لهم (فَارْتَقِبْهُمْ) أي انتظر أمر الله فيهم (وَاصْطَبِرْ) على ما يصيبك من الأذى حتى يأتي أمر الله فيهم (وَنَبِّئْهُمْ) أي اخبرهم (أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) يوم للناقة تحضره الناقة ، وفي يومهم يحضرونه هم (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ) أي دبّروا في أمر الناقة بالقتل ، فدعوا واحدا من أشرارهم وهو قدار بن سالف عاقر الناقة (فَتَعاطى فَعَقَرَ) أي تناول الناقة بالعقر فعقرها (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) أي فانظر كيف أهلكتهم ، وكيف كان عذابي لهم ، وإنذاري إياهم (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً) يريد صيحة جبرائيل (ع) (فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) أي فصاروا كهشيم : وهو حطام الشجر المنقطع بالكسر والرض الذي يجمعه صاحب الحظيرة الذي يتخذ لغنمه حظيرة تمنعها من برد الريح