والإعلام ايجاد ما به يصير عالما. ذكر سبحانه النعمة فيما علم من الحكمة بالقرآن الذي احتاج إليه الناس في دينهم ليؤدوا ما يجب عليهم ، ويستوجبوا الثواب بطاعة ربهم قال الزجاج معنى علم القرآن : يسّره لأن يذكر (خَلَقَ الْإِنْسانَ) أي أخرجه من العدم إلى الوجود ، والمراد بالإنسان هنا آدم (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) أي النطق والكتابة والخط والفهم والإفهام حتى يعرف ما يقول وما يقال له عن الحسن وأبي العالية وابن زيد والسدي ، وهذا هو الأظهر الأعم (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) أي يجريان بحسبان ومنازل لا يعدوانها ، وهما يدلان على عدد الشهور والسنين والأوقات وإنما خصهما بالذكر لما فيهما من المنافع الكثيرة للناس من النور والضياء ومعرفة الليل والنهار ، ونضج الثمار إلى غير ذلك ، فذكرهما لبيان النعمة بهما على الخلق (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) يعني بالنجم نبت الأرض الذي ليس له ساق ، وبالشجر ما كان له ساق يبقى في الشتاء وقيل : أراد بالنجم نجم السماء وقال أهل التحقيق : ان المعنى في سجودهما هو ما فيهما من الآية الدالة على حدوثهما ، وعلى أن لهما صانعا أنشأهما ، وما فيهما من الصنعة والقدرة التي توجب السجود (وَالسَّماءَ رَفَعَها) أي ورفع السماء فوق الأرض ، دل سبحانه بذلك على كمال قدرته (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) يعني آلة الوزن للتوصل إلى الإنصاف والانتصاف (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) أي لا تتجاوزوا فيه العدل والحق إلى البخس والباطل (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) أي أقيموا لسان الميزان بالعدل إذا أردتم الأخذ والإعطاء (وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) أي لا تنقصوه بالبخس والجور ، بل سوّوه بالإنصاف والعدل (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ) لما ذكر السماء ذكر الأرض في مقابلتها ، أي وبسط الأرض ووطأها للناس (فِيها فاكِهَةٌ) أي في الأرض ما يتفكه به من ألوان الثمار المأخوذة من الأشجار (وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ) أي الأوعية والغلف ، وثمر النخل يكون في غلف ما لم ينشق (وَالْحَبُ) يريد جميع الحبوب مما يحرث في الأرض من الحنطة والشعير وغيرهما (ذُو الْعَصْفِ) أي ذو الورق ، فإذا يبس وديس صار تبنا (وَالرَّيْحانُ) يعني الرزق في قول الأكثرين (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فبأي نعم ربكما من هذه الأشياء المذكورة تكذبان ، لأنها كلها منعم عليكم بها والمعنى : انه لا يمكن جحد شيء من هذه النعم. فأما الوجه لتكرار هذه الآية في هذه السورة فإنّما هو التقرير بالنعم المعدودة ، والتأكيد في التذكير بها كلها ، فكلما ذكر سبحانه نعمة أنعم بها قرر عليها ، ووبخ على التكذيب بها ، كما يقول الرجل لغيره : أما أحسنت إليك حين أطلقت لك مالا؟ أما أحسنت إليك حين ملكتك عقارا؟ أما أحسنت إليك حين بنيت لك دارا؟ فيحسن فيه التكرار لاختلاف ما يقرره به.
١٤ ـ ٣٠ ـ ثم قال سبحانه عاطفا على ما تقدم من الأدلة على وحدانيته ، والإبانة عن نعمه على خلقه فقال (خَلَقَ الْإِنْسانَ) يعني به جميع البشر لأن أصلهم آدم عليهالسلام (مِنْ صَلْصالٍ) أي طين يابس (كَالْفَخَّارِ) أي كالآجر والخزف (وَخَلَقَ الْجَانَ) أي أبا الجن ، قال الحسن : هو إبليس أبو الجن وهو مخلوق من لهب النار ، كما ان آدم (ع) مخلوق من طين (مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) المارج : الصافي من لهب النار الذي لا دخان فيه (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فبأي نعمه تكذبان أيها الثقلان؟ أي أبأن خلقكما من نفس واحدة ، ونقلكما من التراب والنار إلى الصورة التي أنتم عليها تكذبان (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) يعني مشرق الصيف ومشرق الشتاء ، ومغرب الصيف ومغرب الشتاء ، بيّن سبحانه قدرته على تصريف الشمس والقمر ، ومن قدر على ذلك قدر على كل شيء (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) ذكر سبحانه عظيم قدرته حيث خلق