البحرين العذب والمالح يلتقيان ثم لا يختلط أحدهما بالآخر وهو قوله : (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ) ، أي حاجز من قدرة الله فلا يبغي الملح على العذب فيفسده ، ولا العذب على الملح فيفسده ويختلط به ، ومعنى مرج : أرسل ، لا يبغيان : أي لا يطلبان أن يختلطا (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) اللؤلؤ : كبار الدر ، والمرجان : صغاره وقيل : ان العذاب والملح يلتقيان فيكون العذب كاللقاح للملح ، ولا يخرج اللؤلؤ إلا من الموضع الذي يلتقي فيه الملح والعذب ، وذلك معروف عند الغواصين (وَلَهُ الْجَوارِ) أي السفن الجارية في الماء تجري بأمر الله (الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ) أي المرفوعات ، وهي التي رفع خشبها بعضها على بعض وركب حتى ارتفعت وطالت وقيل : هي المبتدآت للسير مرفعة القلاع ، قال مجاهد : ما رفع له القلاع فهو منشأ ، وما لم ترفع قلاعه فليس بمنشأ ، والقلاع : جمع قلع وهو شراع (كَالْأَعْلامِ) أي كالجبال (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) أي كل من على الأرض من حيوان فهو هالك ، يفنون ويخرجون من الوجود إلى العدم (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) أي ويبقى ربّك الظاهر بأدلته ظهور الإنسان بوجهه (ذُو الْجَلالِ) أي العظمة والكبرياء ، واستحقاق الحمد والمدح بإحسانه الذي هو في أعلى مراتب الإحسان ، وانعامه الذي هو أصل كل انعام (وَالْإِكْرامِ) معناه : انه أهل أن يعظم وينزه عما لا يليق بصفاته (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي لا يستغني عنه أهل السموات والأرض فيسألونه حوائجهم (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) اختلف في معناه فقيل : إن شأنه سبحانه احياء قوم وإماتة آخرين ، وعافية قوم ومرض آخرين ، وغير ذلك من الإهلاك والإنجاء والحرمان والإعطاء والأمور الأخر التي لا تحصى ، وعن أبي الدرداء عن النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : من شأنه أن يغفر ذنبا ، ويفرّج كربا ، ويرفع قوما ، ويضع آخرين ، وعن ابن عباس أنه قال : إن مما خلق الله تعالى لوحا من درّة بيضاء ، دواته ياقوتة حمراء ، قلمه نور ، وكتابه نور ، ينظر الله فيه كل يوم ثلثمائة وستين نظرة ، يخلق ويرزق ، ويحيي ويميت ، ويعز ويذلّ ، ويفعل ما يشاء فذلك قوله : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ).
٣١ ـ ٤٥ ـ لما ذكر سبحانه الفناء والإعادة ، عقب ذلك بذكر الوعيد والتهديد فقال (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) أي سنقصد لحسابكم أيها الجن والإنس (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا) أي تخرجوا هاربين من الموت (مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي جوانبهما ونواحيهما والمعنى : حيث ما كنتم أدرككم الموت (فَانْفُذُوا) أي فاخرجوا فلن تستطيعوا أن تهربوا منه (لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) أي حيث توجهتم فثم ملكي ، ولا تخرجون من سلطاني ، فأنا آخذكم بالموت ، ومعنى السلطان : القوة التي سلط بها على الأمر ، ثم الملك والقدرة والحجة كلها سلطان. وقيل : لا تنفذون إلا بسلطان أي لا تخرجون إلا بقدرة من الله وقوة يعطيكموها بأن يخلق لكم مكانا آخر سوى السموات والأرض ، ويجعل لكم قوة تخرجون بها إليه ؛ فبيّن سبحانه بذلك أنهم في حبسه ، وأنه مقتدر عليهم لا يفوتونه ، وجعل ذلك دلالة على توحيده وقدرته ، وزجرا لهم عن معصيته ومخالفته (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي بأي نعمة تكذبان : أبإخباره عن تحيركم لتحتالوا له بعمل الطاعة واجتناب المعصية ، أو بإخباره عنكم أنكم لا تنفذون إلا بحجة لتستعدوا لذلك اليوم؟ (يُرْسَلُ عَلَيْكُما) أي يرسل على من أشرك منكما (شُواظٌ مِنْ نارٍ) وهو اللهب الأخضر المنقطع من النار (وَنُحاسٌ) وهو الصفر المذاب للعذاب. وقد جاء في الخبر يحاط على الخلق بلسان من نار ثم ينادون : يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا إلى قوله يرسل عليكما شواظ من نار (فَلا تَنْتَصِرانِ) أي فلا تقدران على دفع ذلك عنكما وعن غيركما ، وعلى هذا فيكون