فائدة الآية : ان عجز الثقلين عن الهرب من الجزاء كعجزهم عن النفوذ من الأقطار (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي بإخباره إياكم عن هذه الحالة لتتحرزوا عنها ، أم بغيره من النعم؟ فإن وجه النعمة في إرسال الشواظ من النار والنحاس على الثقلين هو ما في ذلك لهم من الزجر في دار التكليف عن مواقعة القبيح ، وذلك نعمة جزيلة (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ) يعني يوم القيامة إذا تصدعت السماء وانفك بعضها من بعض (فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) أي فصارت حمراء كلون الفرس الورد ، وهو الأبيض الذي يضرب إلى الحمراء (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) وجه النعمة في انشقاق السماء حتى وقع التقرير بها هو ما في الاخبار به من الزجر والتخويف في دار الدنيا (فَيَوْمَئِذٍ) يعني يوم القيامة (لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) أي لا يسأل المجرم عن جرمه في ذلك الموطن لما يلحقه من الذهول الذي تحار له العقول ؛ وإن أهل الجنة حسان الوجوه ، وأهل النار سود الوجوه فلا يسألون من أي الحزبين هم ، ولكن يسألون عن أعمالهم سؤال تقريع (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) أي بعلامتهم وهي : سواد الوجوه ، وزرقة العيون (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) تأخذهم الزبانية بنواصيهم وبأقدامهم فتسوقهم إلى النار (هذِهِ جَهَنَّمُ) أي ويقال لهم هذه جهنّم (الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ) الكافرون في الدنيا قد أظهرها الله تعالى حتى زالت الشكوك فأدخلوها (يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) أي يطوفون مرة بين الجحيم ومرة بين الحميم ، فالجحيم : النار ، والحميم : الشراب والآن : الذي انتهت حرارته (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) الوجه في ذلك ان التذكير بفعل العقاب والإنذار به من أكبر النعم ، لأن في ذلك زجرا عما يستحق به العذاب ، وحثا وبعثا على فعل ما يستحق به الثواب.
٤٦ ـ ٦١ ـ ثم عقب سبحانه الوعيد بالوعد فقال (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) أي مقامه بين يدي ربّه للحساب فترك المعصية والشهوة ، قال مجاهد : وهو الذي بهم بالمعصية فيذكر الله تعالى فيدعها ، وقيل : هذا لمن راقب الله تعالى في السرّ والعلانية جملة ، فما عرض له من محرّم تركه من خشية الله ، وما عرض له من خير عمله وأفضى به إلى الله تعالى ، لا يطلع عليه أحد ؛ وقال الصادق عليهالسلام : من علم أن الله يراه ويسمع ما يقول من خير وشر فحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فله (جَنَّتانِ) أي جنة عدن وجنّة نعيم ، وقيل : بستانان من بساتين الجنة ، أحدهما داخل القصر ، والأخرى خارج القصر ، كما يشتهي الإنسان في الدنيا ، وقيل : إحدى الجنتين منزله والأخرى منزل أزواجه وخدمه ، ثم وصف الجنتين فقال (ذَواتا أَفْنانٍ) أي ذواتا ألوان من النعيم وقيل : ذواتا أغصان عن الأخفش والجبائي ومجاهد ، أي ذواتا أشجار ، لأن الأغصان لا تكون إلا من الشجر ، فدل بكثرة أغصانها على كثرة أشجارها ، وبكثرة أشجارها على تمام حالها وكثرة ثمارها ، لأن البستان إنما يكمل بكثرة الأشجار ، والأشجار لا تحسن إلا بكثرة الأغصان (فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ) أي في الجنتين عينان من الماء تجريان بين أشجارهما عن الحسن وقيل : إحداهما من ماء غير آسن ، والأخرى من خمر لذة للشاربين ، عن عطية العوفي (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) أي في كلتا الجنتين من كل ثمرة نوعان وضربان متشاكلان كتشاكل الذكر والأنثى ، فلذلك سماهما زوجين ، وذلك كالرطب واليابس من العنب والزبيب ، والرطب واليابس من التين ، وكذلك سائر الأنواع وقيل معناه : فيهما من كل نوع من الفاكهة ضربان : ضرب معروف ، وضرب من شكله غريب لم يعرفوه في الدنيا (مُتَّكِئِينَ) أي قاعدين كالملوك (عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) أي من ديباج غليظ ، ذكر البطانة ولم يذكر الظهارة لأن البطانة تدل على ان لها ظهارة ، والبطانة