والطاعة (وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) بالكفر والمعاصي (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) أي الخير كله في الدنيا والآخرة من قبلك (إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي قادر على جميع الأشياء ، لا يعجزك شيء ، تقدر على إيجاد المعدوم ، وإفناء الموجود ، وإعادة ما كان موجودا (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) معناه : يدخل أحدهما في الآخر بإتيانه بدلا منه من مكانه (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) أي من النطفة وهي ميتة بدليل قوله : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) فأحياكم (وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) أي النطفة من الحي ، وكذلك الدجاجة من البيضة ، والبيضة من الدجاجة (وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) معناه : بغير تقتير.
٢٨ ـ لما بيّن سبحانه أنه مالك الدنيا والآخرة ، والقادر على الاعزاز والإذلال ، نهى المؤمنين عن موالاة من لا إعزاز عندهم ولا إذلال من أعدائه ، ليكون الرغبة فيما عنده وعند أوليائه المؤمنين دون أعدائه الكافرين فقال : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) أي لا ينبغي للمؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء لنفوسهم ، وأن يستعينوا بهم ، ويلتجئوا إليهم ، ويظهروا المحبة لهم ، كما قال (لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) ، و (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) وقوله : (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) معناه : يجب أن يكون الموالاة مع المؤمنين ، وهذا نهي عن موالاة الكفار ومعاونتهم على المؤمنين والأولياء : جمع الولي وهو الذي يلي أمر من ارتضى فعله بالمعونة والنصرة (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) معناه : من اتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين (فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) أي فليس هو من أولياء الله والله بريء منه ثم استثنى فقال : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) والمعنى : إلا أن يكون الكفار غالبين والمؤمنون مغلوبين فيخافهم المؤمن إن لم يظهر موافقتهم ، ولم يحسن العشرة معهم ، فعند ذلك يجوز له إظهار مودتهم بلسانه ، ومداراتهم تقية منه ، ودفعا عن نفسه ، من غير أن يعتقد ذلك (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) معناه : ويحذركم الله عقابه على اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، وعلى سائر المعاصي (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) معناه إلى حكمه.
٢٩ ـ لما تقدم النهي عن اتخاذ الكفار أولياء خوّفوا من الابطان بخلاف الإظهار فيما نهوا عنه ، فقال سبحانه (قُلْ) يا محمد (إِنْ تُخْفُوا) أي ان تستروا (ما فِي صُدُورِكُمْ) يعني ما في قلوبكم ، وإنما ذكر الصدر لأنه محل القلب (أَوْ تُبْدُوهُ) أي تظهروه (يَعْلَمْهُ اللهُ) فلا ينفعكم اخفاؤه وهو مع ذلك (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) وإنما قال ذلك ليذكر بمعلوماته على التفصيل فيتم التحذير إذ كان من يعلم ما في السماوات وما في الأرض على التفصيل يعلم الضمير (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على أخذكم ومجازاتكم.
٣٠ ـ لمّا حذر العقاب في الآية المتقدمة بيّن وقت العقاب فقال : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) في الدنيا (مِنْ) طاعة و (خَيْرٍ مُحْضَراً) ونظيره قوله : ووجدوا ما عملوا حاضرا وعلمت نفس ما أحضرت ، تجد صحائف الحسنات والسيئات وقيل : ترى جزاء عملها من الثواب والعقاب (وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ) معناه : تجد كل نفس الذي عملته من معصية محضرا (تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ) أي بين معصيتها (أَمَداً بَعِيداً) أي غاية بعيدة ، أي تود أنها لم تكن فعلتها وقيل معناه : مكانا بعيدا (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) قد مر ذكره (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) أي رحيم بهم.
٣١ ـ ٣٢ ـ ثم بيّن سبحانه أن الإيمان به لا يجدي إلا إذا قارنه الإيمان برسوله (ص) فقال : (قُلْ) يا محمد (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ) كما تزعمون (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) معناه : إن كنتم تحبون دين الله فاتبعوا ديني يزدد لكم حبا (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي كثير المغفرة والرحمة (قُلْ