متضمنا للأمر ، فيكون معناه : أسلموا ، فإن الله تعالى أزاح العلل ، وأوضح السبل ، ونظيره : فهل أنتم منتهون أي انتهوا ، وهذا كما يقول الإنسان لغيره وقد وعظه بمواعظ : أقبلت وعظي يدعوه إلى قبول الوعظ (فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا) إلى طريق الحق (وَإِنْ تَوَلَّوْا) أي كفروا ولم يقبلوا ، وأعرضوا عنه (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) معناه : فإنما عليك أن تبلغ وتقيم الحجة ، وليس عليك أن لا يتولوا (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) معناه : أنه لا يفوته شيء من أعمالهم التي يجازيهم بها لأنه بصير بهم ، أي عالم بهم وبسرائرهم ، لا يخفى عليه خافية.
٢١ ـ ٢٢ ـ لما قدّم سبحانه ذكر الإحتجاج على أهل الكتاب ، وحسن الوعد لهم ان أسلموا ، وشدة الوعيد إن أبوا فصّل في هذه الآية كفرهم فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) أي يجحدون حجج الله تعالى وبيناته (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ) هم اليهود وقوله : (بِغَيْرِ حَقٍ) لا يدل على ان في قتل النبيين ما هو حق ، بل المراد بذلك : إن قتلهم لا يكون إلّا بغير حق كقوله : (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) ، والمراد بذلك تأكيد النفي والمبالغة فيه (وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ) قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيّا من أوّل النهار في ساعة واحدة ، فقام مائة رجل واثنا عشر رجلا من عبّاد بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعا من آخر النهار في ذلك اليوم (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) بأن لهم العذاب الأليم (أُولئِكَ الَّذِينَ) كفروا بآيات الله ، وقتلوا الأنبياء ، والآمرين بالمعروف (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) يريد بأعمالهم ما هم عليه من ادعائهم التمسك بالتوراة ، وإقامة شريعة موسى (ع) وأراد ببطلانها في الدنيا أنها لم تحقن دماءهم وأموالهم ، ولم ينالوا بها الثناء والمدح ، وفي الآخرة أنهم لم يستحقوا بها مثوبة فصارت كأنّها لم تكن ، لأن حبوط العمل عبارة عن وقوعه على خلاف الوجه الذي يستحق عليه الثواب والأجر والمدح وحسن الذكر ، وإنما تحبط الطاعة حتى تصير كأنّها لم تفعل إذا وقعت على خلاف الوجه المأمور به (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) يدفعون عنهم العذاب.
٢٣ ـ ٢٤ ـ لمّا قدّم تعالى ذكر الحجاج بيّن أنهم إذا عضّتهم الحجة فرّوا إلى الضجة ، وأعرضوا عن المحجة فقال : (أَلَمْ تَرَ) معناه : ألم ينته علمك (إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) أي أعطوا حظا من الكتاب (يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ) دعوا إلى القرآن لأن ما فيه موافق لما في التوراة من أصول الديانة ، وأركان الشريعة ، وفي الصفة التي تقدمت البشارة بها (لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) معناه : ليحكم بينهم في أمر إبراهيم وإن دينه الإسلام (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ) أي طائفة منهم عن الداعي (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) عن اتباع الحق (ذلِكَ) معناه : شأنهم ذلك فالله تعالى بيّن العلة في إعراضهم عنه مع معرفتهم به ، والسبب الذي جرّأهم على الجحد والإنكار (بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ) أي لن تصيبنا النار (إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) إنها الأيام التي عبدوا فيها العجل وهي أربعون يوما (وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ) أي أطمعهم في غير مطمع (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي افتراءهم وكذبهم.
٢٥ ـ ثم أكّد سبحانه ما تقدّم فقال : (فَكَيْفَ) حالهم (إِذا جَمَعْناهُمْ) أي وقت جمعهم وحشرهم (لِيَوْمٍ) أي لجزاء يوم (لا رَيْبَ فِيهِ) لا شك فيه لمن نظر في الأدلة (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) أعطيت ما كسبت ، أي اجتلبت بعملها من الثواب والعقاب (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) أي لا ينقصون عما استحقوه من الثواب ، ولا يزادون على ما استحقوه من العقاب (قُلِ) يا محمد (اللهُمَ) يا الله (مالِكَ الْمُلْكِ) مالك كل ملك وملك ، فكلّ مالك دونك هالك ، وكل ملك دونك يهلك (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) تعطي الملك من تشاء (وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) أن تنزعه منه (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ) بالإيمان