(ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) يعني كل ما سبق ذكره مما يستمتع به في الحياة الدنيا ثم يفنى (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) يعني حسن المرجع.
١٥ ـ لما صغّر تعالى الدنيا وزهّد فيها في الآية الأولى ، عظّم الآخرة وشرّفها ورغّب فيها في هذه الآية فقال : (قُلْ) يا محمد لأمتك (أَأُنَبِّئُكُمْ) أخبركم (بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ) بأنفع لكم مما سبق ذكره في الآية المتقدمة من شهوات الدنيا ولذاتها وزهراتها (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) ما حرم الله عليهم (عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي من تحت أشجارها الأنهار (خالِدِينَ فِيها) أي مقيمين في تلك الجنات (وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) من الحيض والنفاس ، وجميع الأقذار والأدناس ، والطبائع الذميمة ، والأخلاق اللئيمة (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ) ووراء هذه الجنات رضوان من الله (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) أي خبير بأفعالهم وأحوالهم.
١٦ ـ ١٧ ـ ثم وصف المتقين الذين سبق ذكرهم في قوله (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) فقال : (الَّذِينَ يَقُولُونَ) أي المتقين القائلين (رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا) أي صدقنا الله ورسوله (فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) أي استرها علينا وتجاوزها عنا (وَقِنا) أي وادفع عنا (عَذابَ النَّارِ) ثم وصفهم بصفات أخر ، ومدحهم واثنى عليهم فقال : (الصَّابِرِينَ) أي على فعل ما أمرهم الله به ، وترك ما نهاهم عنه (وَالصَّادِقِينَ) في إيمانهم وأقوالهم (وَالْقانِتِينَ) الدائمين على الطاعة والعبادة (وَالْمُنْفِقِينَ) أموالهم في سبيل الخير ، ويدخل فيه الزكاة المفروضة ، والتطوع بالإنفاق (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) المصلين وقت السحر.
١٨ ـ ١٩ ـ لما قدّم تعالى ذكر أرباب الدين أتبعه بذكر أوصاف الدين فقال : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي أخبر الله بما يقوم مقام الشهادة على وحدانيته من عجيب صنعته ، وبديع حكمته (وَالْمَلائِكَةُ) أي وشهدت الملائكة بما عاينت من عظيم قدرته (وَأُولُوا الْعِلْمِ) أي وشهد أولو العلم بما ثبت عندهم وتبيّن من صنعه الذي لا يقدر عليه غيره (قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) القسط : العدل ، إنه يقوم بإجراء الأمور ، وتدابير الخلق ، وجزاء الأعمال بالعدل ، وإنّما كرّر قوله لا إله إلا هو لأنه بيّن بالأول أنه المستحق بالتوحيد لا يستحقه سواه ، وبالثاني أنه القائم برزق الخلق وتدبيرهم بالعدل ، لا ظلم في فعله (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) مرّ تفسيره وتضمنت الآية الإبانة عن فضل العلم والعلماء لأنه تعالى قرن العلماء بالملائكة ، وشهادتهم بشهادة الملائكة قوله (إِنَّ الدِّينَ) أي الطاعة (عِنْدَ اللهِ) هو (الْإِسْلامُ) المراد بالإسلام التسليم لله ولأوليائه وهو التصديق (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) معناه : وما اختلف اليهود والنصارى في صدق نبوة محمد (ص) لما كانوا يجدونه في كتبهم بنعته وصفته ووقت خروجه (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) بعد ما جاءهم العلم ثم أخبر عن علة اختلافهم فقال : (بَغْياً بَيْنَهُمْ) أي حسدا (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ) أي بحججه (فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) أي لا يفوته شيء.
٢٠ ـ لما قدم الله سبحانه ذكر الإيمان والإسلام خاطب نبيه فقال : (فَإِنْ حَاجُّوكَ) المعنى فإن حاجك وخاصمك النصارى وهم وفد نجران (فَقُلْ) يا محمد (أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) معناه : انقدت لأمر الله في إخلاص التوحيد له (وَمَنِ اتَّبَعَنِ) أن ومن اهتدى بي في الدين من المسلمين فقد أسلموا أيضا كما أسلمت (وَقُلْ) يا محمد (لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يعني اليهود والنصارى (وَالْأُمِّيِّينَ) أي الذين لا كتاب لهم وهم مشركو العرب (أَأَسْلَمْتُمْ) أي أخلصتم كما أخلصت ، لفظه لفظ الإستفهام وهو بمعنى التوقيف والتهديد ، فيكون