للجزاء (لِيَوْمٍ) أي في يوم (لا رَيْبَ فِيهِ) أي ليس فيه موضع ريب وشك لوضوحه ، وهذا يتضمن إقرارهم بالبعث (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) أي لا يخلف الوعد.
١٠ ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بآيات الله ورسله (لَنْ تُغْنِيَ) أي لن تدفع (عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) معناه : من عذاب الله شيئا (وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ) أي حطب النار تتقد النار بأجسامهم كما قال في موضع آخر : (حَصَبُ جَهَنَّمَ).
١١ ـ عادة هؤلاء الكفار في التكذيب بك وبما أنزل إليك (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) أي كعادة آل فرعون في التكذيب برسولهم وما أنزل إليه (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعني كفار الأمم الماضية (كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) أي عاقبهم الله بذنوبهم ، وسمى المعاقبة مؤاخذة لأنها أخذ بالذنب ، فالأخذ بالذنب عقوبة (وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) لمن يعاقبه.
١٢ ـ (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) اما مشركي مكة أو اليهود (سَتُغْلَبُونَ) أي ستهزمون وتصيرون مغلوبين في الدنيا (وَتُحْشَرُونَ) أي تجمعون (إِلى جَهَنَّمَ) في الآخرة ، وقد فعل الله ذلك ، فاليهود غلبوا بوضع الجزية عليهم ، والمشركون غلبوا بالسيف (وَبِئْسَ الْمِهادُ) أي بئس ما مهد لكم ، وبئس ما مهّدتم لأنفسكم.
١٣ ـ لمّا وعد سبحانه الظفر لأهل الإيمان بيّن ما فعله يوم بدر بأهل الكفر والطغيان فقال : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) الخطاب لليهود الذين نقضوا العهد ، أي كان لكم أيها اليهود دلالة ظاهرة (فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا) أي فرقتين اجتمعتا ببدر من المسلمين والكافرين (فِئَةٌ) فرقة (تُقاتِلُ) تحارب (فِي سَبِيلِ اللهِ) في دينه وطاعته وهم الرسول وأصحابه (وَأُخْرى) أي فرقة أخرى (كافِرَةٌ) وهم المشركون من أهل مكة (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ) أي ضعفهم (رَأْيَ الْعَيْنِ) أي في ظاهر العين يعني يرى المشركون المسلمين ضعفي ما هم عليه ، فإن الله تعالى قبل القتال قلل المسلمين في أعينهم ليجترئوا عليهم ولا ينصرفوا ، فلما أخذوا في القتال كثّرهم في أعينهم ليجبنوا ، وقلل المشركين في أعين المسلمين ليجترئوا عليهم ، وتصديق ذلك قوله تعالى : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) الآية ، وذلك أحسن أسباب النصر للمؤمنين ، والخذلان للكافرين وقوله : (وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ) النصر منه سبحانه على الأعداء يكون على ضربين : نصر بالغلبة ، ونصر بالحجة ، فالنصر بالغلبة إنما كان بغلبة العدد القليل للعدد الكثير على خلاف مجرى العادة ، وبما أمدّهم به من الملائكة ، وقوّى به نفوسهم من تقليل العدد والنصرة بالحجة وهو وعده المتقدم بالغلبة لأحدى الطائفتين لا محال وهذا ما لا يعلمه إلا علام الغيوب (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في ظهور المسلمين مع قلتهم على المشركين مع كثرتهم ، وتقليل المشركين في أعين المسلمين ، وتكثير المسلمين في أعين المشركين (لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) أي لذوي العقول.
١٤ ـ (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ) أي حب المشتهيات ، زيّنها لهم الشيطان ثم قدّم سبحانه ذكر النساء فقال : (مِنَ النِّساءِ) لأن الفتنة بهن أعظم (وَالْبَنِينَ) لأن حبهم يدعو إلى جمع الحرام (وَالْقَناطِيرِ) جمع قنطار ومقداره ألف ومائتا أوقية (الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) المضاعفة (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ) معناه : الأفراس الحسنة (وَالْأَنْعامِ) وهي جمع النعم ، وهي : الإبل والبقر والغنم من الضأن والمعز (وَالْحَرْثِ) معناه : الزرع هذه كلها محبّبة إلى الناس كما ذكر الله تعالى ، ثم بيّن ان ذلك كله مما يتمتع به في الحياة ثم يزول عن صاحبه والمرجع إلى الله ، فأجدر بالإنسان أن يزهد فيه ويرغب فيما عند ربه فقال :