يرى من حسنه وصفائه (وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ) أي وثمار مختلفة كثيرة غير قليلة (لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) أي لا تنقطع كما تنقطع فواكه الدنيا في الشتاء وفي أوقات مخصوصة ، ولا تمتنع ببعد متناول ، أو شوك يؤذي اليد كما يكون ذلك في الدنيا (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) أي بسط عالية كما يقال : بناء مرفوع وقيل معناه ونساء مرتفعات القدر في عقولهن وحسنهن وكمالهن عن الجبائي قال : ولذلك عقبه بقوله. (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً) ، ويقال لامرأة الرجل : هي فراشه (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً) أي خلقناهن خلقا جديدا قال ابن عباس : يعني النساء الآدميات (فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً) أي عذارى وقيل : لا يأتيهن أزواجهن إلا وجدوهن أبكارا (عُرُباً) العروب : اللعوب مع زوجها أنسا به (أَتْراباً) أي متشابهات مستويات في السن (لِأَصْحابِ الْيَمِينِ) أي هذا الذي ذكرناه لأصحاب اليمين جزاءا وثوابا على طاعاتهم (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) أي جماعة من الأمم الماضية التي كانت قبل هذه الأمة ، وجماعة من مؤمني هذه الأمة ، قال الحسن : سابقو الأمم الماضية أكثر من سابقي هذه الأمة ، وتابعو الأمم الماضية مثل تابعي هذه الأمة ، يعني ان أصحاب اليمين منهم مثل أصحاب اليمين منّا ، وإنّما نكّر سبحانه الثلة ليدل على أنه ليس لجميع الأولين والآخرين وإنما هو لجماعة منهم كما يقال : رجل من جملة الرجال ، وهذا الذي ذكرناه قول مقاتل وعطاء وجماعة من المفسرين ، وذهب جماعة منهم ان الثلثين جميعا من هذه الأمة ، وهو قول مجاهد والضحاك واختيار الزجاج ، وروي ذلك مرفوعا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : جميع الثلثين من أمتي.
٤١ ـ ٥٦ ـ ثم ذكر سبحانه أصحاب الشمال فقال (وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ) وهم الذين يأخذون كتبهم بشمالهم ، أو الذين يلزمهم حال الشؤم والنكد (فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ) أي في ريح حارة تدخل مسامهم وخروقهم ، وفي ماء مغلي حار انتهت حرارته (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) أي دخان أسود شديد السواد ، عن ابن عباس وأبي مالك ومجاهد وقتادة وقيل : اليحموم جبل في جهنم يستغيث أهل النار إلى ظله ثم نعت ذلك الظل فقال (لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) أي لا بارد المنزل ، ولا كريم المنظر عن قتادة وقيل : لا بارد يستراح إليه لأنه دخان جهنم ، ولا كريم فيشتهى مثله وقيل : (وَلا كَرِيمٍ) : أي ولا منفعة فيه بوجه من الوجوه ، والعرب إذا أرادت نفي صفة الحمد عن شيء نفت عنه الكرم وقال الفراء : العرب تجعل الكريم تابعا لكل شيء نفت عنه وصفا تنوي به الذم تقول : ما هو بسمين ولا كريم وما هذه الدار بواسعة ولا كريمة. ثم ذكر سبحانه أعمالهم التي أوجبت لهم هذا فقال (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ) أي كانوا في الدنيا متنعمين عن ابن عباس ، وذلك ان عذاب المترف أشد ألما بيّن سبحانه أن الترف ألهاهم عن الانزجار ، وشغلهم عن الاعتبار ، وكانوا يتركون الواجبات طلبا لراحة أبدانهم (وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) أي الذنب العظيم عن مجاهد وقتادة ، والإصرار : أن يقيم عليه فلا يقلع عنه ولا يتوب منه وقيل : (الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) : الشرك ، أي لا يتوبون عنه عن الحسن والضحاك وابن زيد وقيل : كانوا يحلفون لا يبعث الله من يموت ، وإن الأصنام أنداد الله ، عن الشعبي والأصم (وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) أي ينكرون البعث والنشور ، والثواب والعقاب فيقولون مستبعدين لذلك منكرين له ، ءإذا خرجنا من كوننا أحياء وصرنا ترابا أنبعث (أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) أي أو يبعث آباؤنا الذين ماتوا قبلنا ويحشرون؟ إن هذا لبعيد (قُلْ) يا محمد لهم (إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ) أي الذين تقدموكم من آبائكم وغير آبائكم ، والذين يتأخرون عن زمانكم (لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) يجمعهم الله ويبعثهم ،