وابتدأتموها (أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ) لها فلا يمكن لأحد أن يقول انه أنشأ تلك الشجرة غير الله تعالى. والعرب تقدح بالزند وهو خشب يحك بعضه ببعض فتخرج منه النار (نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً) أي نحن جعلنا هذه النار تذكرة للنار الأخرى الكبرى ، فإذا رآها الرائي ذكر جهنّم واستعاذ بالله منها وقيل معناه : تذكرة يتذكر بها ويتفكر فيها فيعلم ان من قدر عليها وعلى إخراجها من الشجر الرطب قدر على النشأة الثانية (وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ) أي وجعلناها بلغة ومنفعة للمسافرين ، يعني الذين نزلوا الأرض ، ولما ذكر سبحانه ما يدل على توحيده وإنعامه على عبيده قال (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) أي فبرّىء الله تعالى مما يقولونه في وصفه ، ونزهه عما لا يليق بصفاته ، وقيل معناه : قل : سبحان ربي العظيم ، فقد صحّ عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه لما نزلت هذه الآية قال : اجعلوها في ركوعكم.
٧٥ ـ ٨٧ ـ ثم أكّد سبحانه ما تقدم ذكره بقوله (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) ولا زائدة والمعنى : فأقسم واختلف في معنى مواقع النجوم فقيل : هي مطالع النجوم ومساقطها وقيل معناه : أقسم بنزول القرآن فإنه نزل متفرقا قطعا نجوما (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) قال الزجاج والفراء : وهذا يدل على ان المراد بمواقع النجوم نزول القرآن ، والضمير في إنه يعود إلى القسم ودل عليه قوله أقسم والمعنى : ان القسم بمواقع النجوم لقسم عظيم لو تعلمون ، ثم ذكر المقسم به فقال (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) معناه : إن الذي تلوناه عليك قرآن كريم ، أي عام المنافع ، كثير الخير ، ينال الأجر العظيم بتلاوته والعمل بما فيه ، وقيل : كريم عند الله تعالى ، أكرمه الله تعالى وأعزّه لأنه كلامه ، وقيل : كريم لأنه كلام ربّ العزة ، ولأنه محفوظ عن التغيير والتبديل ، ولأنه معجز ، ولأنه يشتمل على الأحكام والمواعظ ، وكل جليل خطير وعزيز فهو كريم (فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) أي مستور من خلقه عند الله وهو اللوح المحفوظ ، أثبت الله فيه القرآن (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) معناه : لا يمسّه إلّا الملائكة الذين وصفوا بالطهارة من الذنوب (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي هذا القرآن منزل من عند الله تعالى الذي خلق العباد ودبّرهم على ما أراد ، ثم خاطب سبحانه أهل مكة فقال (أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ) الذي حدثناكم به ، وأخبرناكم فيه عن حوادث الأمور وهو القرآن (أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) أي مكذبون. قال مؤرج : هو الذي يلين جانبه ليخفي كفره ، وأصله من الدهن (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) أي وتجعلون حظكم من الخير الذي هو كالرزق لكم أنكم تكذبون به (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) أي فهلا إذا بلغت النفس الحلقوم عند الموت (وَأَنْتُمْ) يا أهل الميت (حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) معناه : لا يمكنكم الدفع ، ولا تملكون شيئا (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) بالعلم والقدرة (وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) ذلك ولا تعلمونه (فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) يعني فهلا ترجعونها ، أي فهلا ترجعون نفس من يعز عليكم إذا بلغت الحلقوم وتردونها إلى موضعها إن كنتم غير مجزيين بثواب وعقاب ، وغير محاسبين ، والمراد : ان الأمر إن كان كما تقولونه من انه لا بعث ولا حساب ولا جزاء ولا إله يحاسب ويجازي فهلا رددتم الأرواح والنفوس من حلقومكم إلى أبدانكم إن كنتم صادقين في قولكم؟ فإذا لم تقدروا على ذلك فاعلموا أنه من تقدير مقدر حكيم ، وتدبير مدبر عليم.
٨٨ ـ ٩٦ ـ ثم ذكر سبحانه صفات الخلق عند الموت فقال (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) أي فإن كان ذلك المحتضر الذي بلغت روحه الحلقوم من المقربين عند الله ، وهم السابقون الذين ذكروا في أول السورة (فَرَوْحٌ) وهو الهواء الذي تستلذه النفس ويزيل عنها الهم (وَرَيْحانٌ) هو الريحان المشموم من