١ ـ ٥ ـ (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) مضى تفسيره (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) يعني يهود بني النضير (مِنْ دِيارِهِمْ) بأن سلّط الله المؤمنين عليهم ، وأمر نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم بإخراجهم من منازلهم وحصونهم وأوطانهم (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) لأول الجلاء ، لأنهم كانوا أول من أجلي من أهل الذمة من جزيرة العرب ، ثم أجلى إخوانهم من اليهود وقيل : إنما قال لأول الحشر لأن الله فتح على نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم في أول ما قاتلهم عن يمان بن رباب (ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا) أي لم تظنوا أيها المؤمنون أنهم يخرجون من ديارهم لشدتهم وشوكتهم (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ) أي وظن بنو النضير أن حصونهم لوثاقتها تمنعهم من سلطان الله ، وإنزال العذاب بهم على يد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث حصنوها ، وهيّأوا آلات الحرب فيها (فَأَتاهُمُ اللهُ) أي فأتاهم أمر الله وعذابه (مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) أي لم يتوهموا أن يأتيهم لما قدروا في أنفسهم من المنعة ؛ جعل الله سبحانه امتناعهم من رسوله امتناعا منه (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) وألقى سبحانه في قلوبهم الرعب بقتل سيدهم كعب بن الأشرف (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) أي يهدمون بيوتهم بأيديهم من داخل ليهربوا ، لا أنهم خربوا ما استحسنوا منها حتى لا يكون للمسلمين ، ويخربها المؤمنون من خارج ليصلوا إليهم (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) أي فاتعظوا يا أولي العقول والبصائر وتدبروا وانظروا فيما نزل بهم ؛ ومعنى الاعتبار : النظر في الأمور ليعرف بها شيء آخر من جنسها ، والمراد : استدلوا بذلك على صدق الرسول إذ كان وعد المؤمنين أن الله سبحانه سيورثهم ديارهم وأموالهم بغير قتال ، فجاء المخبر على ما أخبر فكان آية دالة على نبوته (وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ) أي حكم عليهم أنهم يجلون عن ديارهم ، وينقلون عن أوطانهم (لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا) بعذاب الاستئصال ، أو القتل والسبي كما فعل ببني قريظة لأنه تعالى علم أن كلا الأمرين في المصلحة سواء ، وقد سبق حكمه بالجلاء (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ) مع الجلاء عن الأوطان (عَذابُ النَّارِ) لأن أحدا منهم لم يؤمن (ذلِكَ) الذي فعلنا بهم (بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) أي خالفوا الله ورسوله. ثم توعد من حذا حذوهم ، وسلك سبيلهم في مشاقة الله ورسوله فقال (وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ) أي يخالفه (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) يعاقبهم على مشاقّتهم أشد العقاب (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) أي نخلة كريمة من أنواع النخيل (أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها) فلم تقطعوها ولم تقلعوها (فَبِإِذْنِ اللهِ) أي بأمره كل ذلك سائغ لكم ، علم الله سبحانه ذلك وأذن فيه ليذل به أعداءه (وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) من اليهود ويهينهم به لأنّهم إذا رأوا عدوهم يتحكم في أموالكم كان ذلك خزيا لهم.
٦ ـ ١٠ ـ ثم بيّن سبحانه حال أموال بني النضير فقال (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) أي من اليهود الذين أجلاهم وإن كان الحكم ساريا في جميع الكفار الذين حكمهم حكمهم (فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) أي فما أوجفتم عليه خيلا ولا إبلا والمعنى : لم تسيروا إليها على خيل ولا إبل وإنما كانت ناحية من المدينة مشيتم إليها مشيا (وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) أي يمكنهم من عدوهم من غير قتال بأن يقذف الرعب في قلوبهم. جعل الله أموال بني النضير لرسوله خالصة يفعل بها ما يشاء ، فقسمها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئا إلّا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة وهم : أبو دجانة ، وسهل بن حنيف ، والحارث بن الصمة (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ثم ذكر سبحانه حكم الفيء فقال (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ