الأنبياء بمثل ما هم عليه ويعجزون عن الإتيان بمثله (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) أي أخبركم بالذي تأكلونه وتدخرونه ، كان يقول للرجل : تغديت بكذا وكذا ، ورفعت إلى الليل كذا وكذا (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي فيما ذكرت لكم (لَآيَةً) أي حجة ومعجزة ودلالة (لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) بالله ، إذ لا يصح العلم بمدلول المعجزة إلا لمن آمن بالله ، لأن العلم بالمرسل لابد أن يكون قبل العلم بالرسول.
٥٠ ـ ٥١ ـ (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَ) أي لما أنزل قبلي (مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) إن الذي أحل لهم لحوم الإبل ، والشروب ، وبعض الطيور والحيتان مما كان قد حرم على بني إسرائيل (وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) أي بحجة تشهد بصدقي (فَاتَّقُوا اللهَ) في مخالفتي وتكذيبي (وَأَطِيعُونِ) كما أمركم الله به (إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) أي مالكي ومالككم (فَاعْبُدُوهُ) وحده (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) أي دين الله.
٥٢ ـ ٥٤ ـ (فَلَمَّا أَحَسَ) أي علم (عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ) وأنهم لا يزدادون إلا إصرارا على الكفر بعد ظهور الآيات والمعجزات إمتحن المؤمنين من قومه بالسؤال والتعريف عما في إعتقادهم من نصرته ف (قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) معناه : من أعواني على إقامة الدين المؤدي إلى الله أي إلى نيل ثوابه (قالَ الْحَوارِيُّونَ) مدحوا بهذا الإسم كأنه ذهب إلى نقاء قلوبهم كنقاء الثوب الأبيض بالتحوير (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) معناه : نحن أعوان دين الله (آمَنَّا بِاللهِ) أي صدقنا بالله أنه واحد لا شريك له (وَاشْهَدْ) يا عيسى (بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) أي شهيدا عند الله ، أشهدوه على إسلامهم لأن الأنبياء شهداء على خلقه يوم القيامة كما قال تعالى : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) (رَبَّنا) أي يا ربنا (آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ) على عيسى (وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ) أي اتبعناه (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) أي في جملة الشاهدين بجميع ما أنزلت لنفوز بما فازوا به وننال ما نالوا من كرامتك (وَمَكَرُوا) يعني كفار بني إسرائيل ومعناه : دبّروا لقتل عيسى (ع) (وَمَكَرَ اللهُ) أي جازاهم على المكر مكرا كما قال الله تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ). وجاء في التفسير : إن عيسى بعد إخراج قومه إياه من بين أظهرهم همّوا بقتله ، وتواطأوا على الفتك به ، فذلك مكرهم به ومكر الله بهم القاؤه الشبه على صاحبهم الذي أراد قتل عيسى حتى قتل وصلب (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) لأن مكرهم ظلم ومكره عدل.
٥٥ ـ لمّا بيّن سبحانه ما همّ به قوم عيسى من المكر به وقتله ، عقّبه بما أنعم عليه من لطف التدبير ، وحسن التقدير فقال (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) من الأرض (وَرافِعُكَ إِلَيَ) معناه : رافعك إلى كرامتي (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بإخراجك من بينهم فإنهم أرجاس (وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) معناه : وجاعل الذين آمنوا بك فوق الذين كذبوا عليك وكذبوك في العز والغلبة ، والظفر ، والنصرة ، والمعنّي به النصارى (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) أي مصيركم (فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) فأقضي بينكم (فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) من أمر عيسى.
٥٦ ـ ٥٨ ـ (فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) عذابهم في الدنيا إذلالهم بالقتل والأسر والسبي والخسف والجزية ، وكل ما فعل بهم على وجه الإستخفاف والإهانة ، وفي الآخرة عذاب الأبد في النار (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) أي أعوان يدفعون عنهم عذاب الله تعالى (وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ) أي يوفر