عليهم ويتمم (أُجُورَهُمْ) أي جزاء أعمالهم (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) أي لا يريد تعظيمهم وإثابتهم ، ولا يرحمهم ، ولا يثني عليهم (ذلِكَ) إشارة إلى الإخبار عن عيسى وزكريا ويحيى وغيرهم (نَتْلُوهُ عَلَيْكَ) نقرأه عليك ، ونكلمك به (مِنَ الْآياتِ) أي من جملة الآيات والحجج الدالة على صدق نبوتك إذا علمتهم بما لا يعلمه إلا قارىء كتاب أو معلم ، ولست بواحد منهما فلم يبق إلا انك قد عرفته من طريق الوحي (وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) القرآن المحكم ، وإنما وصفه بأنه حكيم لأنه بما فيه من الحكمة كأنه ينطق بالحكمة ، كما تسمى الدلالة دليلا لأنها بما فيها من البيان كأنها تنطق بالبيان والبرهان وإن كان الدليل في الحقيقة هو الدال.
٥٩ ـ ٦٠ ـ ثم ردّ الله تعالى على النصارى قولهم في المسيح انه ابن الله فقال : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) أي مثل عيسى في خلق الله إياه من غير أب كمثل آدم في خلق الله إياه من غير أب ولا أم ، فليس هو بأبدع ولا أعجب من ذلك ، فكيف أنكروا هذا واقرّوا بذلك ثم بيّن سبحانه كيف خلقه فقال : (خَلَقَهُ) أي أنشأه (مِنْ تُرابٍ) وهذا إخبار عن آدم ومعناه : كما خلق آدم من التراب ولم يخلق قبله أحدا من التراب (ثُمَّ قالَ لَهُ) أي لآدم (كُنْ) أي كن حيا بشرا سويا (فَيَكُونُ) أي فكان في الحال على ما أراد (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) أي هذا هو الحق من ربك ، أضاف إلى نفسه تأكيدا (فَلا تَكُنْ) أيها السامع (مِنَ الْمُمْتَرِينَ) وقد مرّ تفسيره في سورة البقرة (فَمَنْ حَاجَّكَ) معناه : فمن خاصمك وجادلك يا محمد (فِيهِ) أي في قصة عيسى (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) أي من البرهان الواضح على انه عبدي ورسولي (فَقُلْ تَعالَوْا) أي هلموا إلى حجة أخرى ماضية فاصلة تميز الصادق من الكاذب (نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) اجمع المفسرون على أنه المراد بأبنائنا الحسن والحسين (وَنِساءَنا) اتفقوا على أن المراد به فاطمة (ع) (وَنِساءَكُمْ) أي من شئتم من نسائكم (وَأَنْفُسَنا) يعني عليا خاصة ، ولا يجوز أن يكون المعني به النبي (ص) لأنه هو الداعي ولا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه ، وإنما يصح أن يدعو غيره ، وهذا يدل على غاية الفضل ، وعلو الدرجة ، والبلوغ منه إلى حيث لا يبلغه أحد إذ جعله الله نفس الرسول ، وهذا ما لا يدانيه فيه أحد ولا يقاربه (وَأَنْفُسَكُمْ) يعني من شئتم من رجالكم (ثُمَّ نَبْتَهِلْ) أي نتضرع في الدعاء (فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) منا ، وفي هذه الآية دلالة على أنهم علموا أن الحق مع النبي لأنهم امتنعوا عن المباهلة ، وأقروا بالذل والخزي لقبول الجزية ، ولو لم يكن النبي (ص) متيقنا بنزول العقوبة بعدوه دونه لما أدخل أولاده وخواص أهله في ذلك.
٦٢ ـ ٦٣ ـ (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ) معناه : ان هذا الذي أوحينا إليك في أمر عيسى (ع) وغيره لهو الحديث الصدق ، فمن خالفك فيه مع وضوح الأمر فهو معاند (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ) أي وما لكم أحد يستحق إطلاق إسم الإلهية إلا الله ، وان عيسى ليس بإله كما زعموا وإنما هو عبد الله ورسوله (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) أي القادر على الكمال (الْحَكِيمُ) في الأقوال والأفعال ، والتقدير والتدبير (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي فإن أعرضوا عن اتباعك وتصديقك وعما أتيت به من الدلالات والبينات (فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) أي بمن يفسد من خلقه فيجازيهم على إفسادهم.
٦٤ ـ لما تمّ الحجاج على القوم دعاهم تعالى إلى التوحيد فقال : (قُلْ) يا محمد (يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا) أي هلمّوا (إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ) أي عدل (بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) أي عادلة لا ميل