لها كما يقال : رجل عدل ، أي عادل لا ميل فيه ، وقيل معناه : كلمة مستوية بيننا وبينكم فيها ترك العبادة لغير الله وهي (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ) لأن العبادة لا تحق إلا له (وَلا نُشْرِكَ بِهِ) في العبادة (شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) معناه ولا يتخذ بعضنا عيسى ربّا فإنه كان بعض الناس وقيل معناه : أن لا نتخذ الأحبار أربابا نطيعهم طاعة الأرباب لقوله : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) ، وروي عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال : ما عبدوهم من دون الله ولكن حرّموا لهم حلالا ، وأحلّو لهم حراما ، فكان ذلك اتخاذهم أربابا من دون الله (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي أعرضوا عن الإقرار بالعبودية ، وان أحدا لا يستحق العبادة غيره (فَقُولُوا) أنتم أيها المسلمون مقابلة لإعراضهم عن الحق ، وتجديدا للإقرار ومخالفتهم (اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) أي مخلصون مقرون بالتوحيد ، مقيمون على الإسلام ، وهذا تأديب من الله لعبده المؤمن وتعليم له كيف يفعل عند إعراض المخالف بعد ظهور الحجة.
٦٥ ـ ٦٦ ـ (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ) أي لم تنازعون وتجادلون فيه وتدّعون أنه على دينكم (وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ) أي من بعد إبراهيم (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ان الإقامة على الدعوى من غير برهان غير جائزة في العقل ، فكيف يجوز الإقامة على الدعوى بعد ما ظهر فسادها؟ (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) يا معشر اليهود والنصارى (حاجَجْتُمْ) جادلتم وخاصمتم (فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) معناه : حاججتم ولكم به علم لوجود اسمه في التوراة والإنجيل (فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) أي فلم تحاجون في دينه وشرعه وليس لكم به علم (وَاللهُ يَعْلَمُ) شأن إبراهيم ودينه لأنه العالم بجميع المعلومات (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ذلك فلا تتكلموا فيه ولا تضيفوا إليه ما لا تعلمونه ، واطلبوا علم ذلك ممن يعلمه.
٦٧ ـ ٦٨ ـ ثم كذّب الله اليهود والنصارى فقال : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا) نزّه إبراهيم وبرّأه عن اليهودية والنصرانية لأنهما صفتا ذم قد دل القرآن والإجماع على ذلك ، وهذا يدل على أن موسى أيضا لم يكن يهوديا ولم يكن عيسى نصرانيا ، فإن الدين عند الله الإسلام ، واليهودية ملة محرّفة عن شرع موسى والنصرانية ملة محرّفة عن شرع عيسى ، فهما صفتا ذم جرتا على فرقتين ضالتين (وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً) معناه : مستقيما في دينه (مُسْلِماً) أي كائنا على دين الإسلام (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) معناه : لم يكن مشركا على ما يدعيه مشركو العرب (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ) يعني ان أحق الناس بنصرة إبراهيم بالحجة أو بالمعونة (لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) في وقته وزمانه ، وتولوه بالنصرة على عدوه حتى ظهر أمره ، وعلت كلمته (وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) يتولون نصرته بالحجة لما كان عليه من الحق ، وتبرئة كل عيب عنه ، أي هم الذين ينبغي لهم أن يقولوا انا على دين إبراهيم ، ولهم ولايته (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) لأنه يتولى نصرتهم ، والمؤمن ولي الله لهذا المعنى.
٦٩ ـ ثم بيّن سبحانه أن هؤلاء كما ضلوا دعوا إلى الضلال فقال : (وَدَّتْ) أي تمنت وقيل : أرادت (طائِفَةٌ) أي جماعة (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) أي من اليهود والنصارى (لَوْ يُضِلُّونَكُمْ) أي يهلونكم بإدخالكم في الضلال ودعائهم إليه (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) معناه : لا يرجع وبال إضلالهم إلا على أنفسهم ، ولا يلحق ضرره إلا بهم ، فإن المسلمين لا يجبيونهم إلى ما يدعونهم إليه من ترك الإسلام إلى غيره من الأديان ، فيبقى عليهم إثم الكفر ووبال الدعاء إلى الكفر (وَما يَشْعُرُونَ) أي وما يعلمون أن وبال ذلك يعود إليهم. وقيل :