ويمكنكم زراعتها (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها) أي في طرقها وفجاجها (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) أي كلوا مما أنبت الله في الأرض والجبال من الزروع والأشجار حلالا (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) أي وإلى حكمه المرجع في القيامة. ثم هدّد سبحانه الكفار زاجرا لهم عن ارتكاب معصيته ، والجحود لربوبيته فقال (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ) أي أمنتم عذاب من في السماء سلطانه وأمره ونهيه وتدبيره (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ) يعني أن يشقّ الأرض فيغيبكم فيها إذا عصيتموه (فَإِذا هِيَ تَمُورُ) أي تضطرب وتتحرك والمعنى : أن الله يحرّك الأرض عند الخسف بهم حتى تضطرب فوقهم وهم يخسفون فيها حتى تلقيهم إلى أسفل والمور : التردد في الذهاب والمجيء مثل الموج (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) أي ريحا ذات حجر كما أرسل على قوم لوط حجارة من السماء (فَسَتَعْلَمُونَ) حينئذ (كَيْفَ نَذِيرِ) أي كيف إنذاري إذا عاينتم العذاب (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) رسلي ، وجحدوا وحدانيتي (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أي عقوبتي وتغييري ما بهم من النعم ، ثم نبّه سبحانه على قدرته على الخسف وإرسال الحجارة فقال (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ) تصف أجنحتها في الهواء فوق رؤوسهم (وَيَقْبِضْنَ) أجنحتهن بعد البسط ، وهذا معنى الطيران وهو بسط الجناح وقبضه بعد البسط ، أي يضربن بأرجلهن ويبسطن أجنحتهن تارة ، ويقبضن أخرى ، فالجو للطائر كالماء للسابح (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ) بتوطئة الهواء لهن ولو لا ذلك لسقطن ، وفي ذلك أعظم دلالة وأوضح برهان وحجة بأن من سخر الهواء هذا التسخير على كل شيء قدير ، والصف : وضع الأشياء المتوالية على خط مستقيم ، والقبض : جمع الأشياء عن حال البسط ، والإمساك : اللزوم المانع من السقوط (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) أي بجميع الأشياء عليم (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ) هذا استفهام إنكار ، أي لا جند لكم ينصركم مني ، ويمنعكم من عذابي إن أردت عذابكم ، وكأنه سبحانه يقول للكفار : بأيّ قوة تعصونني ألكم جند يدفع عنكم (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) أي ما الكافرون إلّا في غرور من الشيطان ، يغرّهم بأن العذاب لا ينزل بهم (أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ) أي الذي يرزقكم ان أمسك الله الذي هو رازقكم أسباب رزقه عنكم وهو المطر هاهنا (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) أي ليسوا يعتبرون فينظرون ، بل تمادوا واستمروا في اللجاج ، وجاوزوا الحد في تماديهم ونفورهم عن الحق ، وتباعدهم عن الإيمان ، قال الفراء : قوله : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ) الآية تعريف حجة ألزمها الله العباد فعرفوا فاقرّوا بها ولم يردّوا لها جوابا فقال سبحانه : (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ).
٢٢ ـ ٣٠ ـ ثم ضرب سبحانه مثلا للكافر والمؤمن فقال (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ) أي منكسا رأسه إلى الأرض فهو لا يبصر الطريق ولا من يستقبله ، وهو الكافر المقلد لا يدري أمحق هو أم مبطل (أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا) أي مستويا قائما يبصر الطريق وجميع جهاته كلها ، فيضع قدمه حيث لا يعثر ، وهو المؤمن الذي سلك طريق الحق وعرفه ، واستقام عليه وأمكنه دفع المضار عن نفسه ، وجلب المنافع إليها (عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي على طريق واضح قيّم ، وهذا معنى قول ابن عباس ومجاهد ، وقيل : إن هذا في الآخرة يحشر الله الكافر مكبّا على وجهه يوم القيامة كما قال : (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ) ، عن قتادة (قُلْ) يا محمد لهؤلاء الكفار (هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ) بأن أخرجكم من العدم إلى الوجود (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ) تسمعون به المسموعات (وَالْأَبْصارَ) تبصرون بها المبصرات (وَالْأَفْئِدَةَ) يعني القلوب تعقلون بها وتتدبرون ، فأعطاكم آلات التفكر والتمييز والوصول إلى العلم (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) أي قليلا