أحد على الإتيان بمثله ، وقد تضمن أخبار الأولين والآخرين ، وما كان وما يكون ، أجراه الله على يد رجل أمّيّ من قوم أميين فاستعظموه وسمّوه عجبا (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) أي يدلّ على الهدى ويدعو إليه ؛ والرشد : ضد الضلال (فَآمَنَّا بِهِ) أي صدّقنا بأنه من عند الله (وَلَنْ نُشْرِكَ) فيما بعد (بِرَبِّنا أَحَداً) فنوجّه العبادة إليه ، بل نخلص العبادة لله تعالى والمعنى : انا قد بدأنا بأنفسنا فقبلنا الرشد والحق ، وتركنا الشرك ، واعتقدنا التوحيد. وفي هذا دلالة على أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان مبعوثا إلى الجن والإنس ، وعلى أن الجن عقلاء مخاطبون ، وبلغات العرب عارفون ، وعلى أنهم يميّزون بين المعجز وغير المعجز ، وأنهم دعوا قومهم إلى الإسلام ، وأخبروهم بإعجاز القرآن ، وانه كلام الله تعالى لأن كلام العباد لا يتعجب منه (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً) المعنى : تعالى جلال ربنا وعظمته عن اتخاذ الصاحبة والولد (وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا) أي جاهلنا (عَلَى اللهِ شَطَطاً) أرادوا بسفيههم إبليس ، والشطط : السرف في ظلم النفس ، والخروج عن الحق ، فاعترفوا بأن إبليس كان يخرج عن الحد في إغراء الخلق ، ودعائهم إلى الضلال (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً) اعترفوا بأنهم ظنّوا أن لن يقول أحد من الأنس والجن كذبا على الله في اتخاذ الشريك معه والصاحبة والولد ، أي حسبنا أن ما يقولونه من ذلك صدق ، وانا على حقّ حتّى سمعنا القرآن ، وتبينا الحق به وفي هذا دلالة على أنهم كانوا مقلدة حتى سمعوا الحجة ، وانكشف لهم الحق فرجعوا عما كانوا عليه ، وفيه إشارة إلى بطلان التقليد ، ووجوب اتباع الدليل (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) أي يعتصمون ويستجيرون ، وكان الرجل من العرب إذا نزل الوادي في سفره ليلا قال : أعوذ بعزيز هذا الوادي من شر سفهاء قومه ، وكان هذا منهم على حسب اعتقادهم أن الجن تحفظهم (فَزادُوهُمْ رَهَقاً) أي فزاد الجن اعتقادهم أن الجن تحفظهم (فَزادُوهُمْ رَهَقاً) أي فزاد الجن الإنس إثما على إثمهم الذي كانوا عليه من الكفر والمعاصي (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) قيل معناه : قال مؤمنو الجن لكفّارهم إن كفار الإنس الذين يعوذون برجال من الجن في الجاهلية حسبوا كما حسبتم يا معشر الجن أن لن يبعث الله رسولا بعد موسى أو عيسى ؛ ووراء هذا ان الجن مع تمرّدهم وعتوّهم لما سمعوا القرآن آمنوا واهتدوا به ، فأنتم معاشر العرب أولى بالتفكر والتدبر لتؤمنوا وتهتدوا مع ان الرسول من جنسكم ، ولسانه لسانكم ، ثم حكى عن الجن قولهم (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ) معناه : طلبنا الصعود إلى السماء ، فعبّر عن ذلك باللمس مجازا (فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً) أي حفظة من الملائكة شدادا (وَشُهُباً) والتقدير : ملئت السماء من الحرس والشهب ، وهو جمع شهاب وهو نور يمتدّ من السماء كالنار (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ) أي لاستراق السمع ، أي كان يتهيّأ لنا فيما قبل القعود في مواضع الاستماع فنسمع منها صوت الملائكة وكلامهم (فَمَنْ يَسْتَمِعِ) منا (الْآنَ) ذلك (يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) يرمى به ، ويرصد له (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ) أي بحدوث الرجم بالشهب وحراسة السماء جوّزوا
__________________
قال الإمام علي بن الحسين عليهماالسلام : عليك بالقرآن ، فإنّ الله خلق الجنّة بيده لبنة من ذهب ، ولبنة من فضة ، وجعل ملاطها المسك ، وترابها الزعفران ، وحصباؤها اللؤلؤ ، وجعل درجاتها على قدر آيات القرآن ، فمن قرأ القرآن قال له : اقرأ وارق ، ومن دخل منهم الجنّة لم يكن في الجنة أعلى درجة منه ما خلا النبيين والصديقين. بحار الأنوار : ٩٢ / ١٩٨.