وعلى ذلك لا تكون الدلالة الأولى (١) دلالة وضعيّة ، بل دلالة أنسيّة ، وإنّما الدلالة الوضعيّة هي دلالة اللفظ على أنّ المتكلّم به في مقام تفهيم معناه ، فإنّ التفهيم فعل اختياريّ مسبوق بالإرادة لا محالة ، فيمكن أن يكون طرفا للالتزام بأن التزم بأنّي أفهم ذاك المعنى الخاصّ بلفظ كذا ، ومتى أردت ذلك المعنى جئتك بهذا اللفظ.
الثاني : أنّ الوضع لا بدّ وأن يكون لغاية وفائدة حتّى لا يصير لغوا ، ومن المعلوم أن ليس فائدة الوضع إلّا التفهيم والتفهّم ، فلو فرضنا أنّ الوضع حقيقته أمر آخر غير التعهّد من اعتبار كون اللفظ وجودا تنزيليّا للمعنى أو غير ذلك ، مع ذلك نقول : إنّ الدلالة الأولى ليست دلالة وضعيّة ، ضرورة أنّ لحاظ الإطلاق في الموضوع له ووضع اللفظ بإزاء ذات المعنى ـ سواء كان صادرا من لافظ ذي شعور واختيار بداعي التفهيم وإرادته أو صادرا بغير داعي
__________________
(١) إخراج هذه الدلالة عن الوضعيّة غير صحيح ، بل الدلالة الوضعيّة ما لو لم يكن الوضع لم تتحقّق ، والدلالات الثلاث من هذه الجهة مشتركة ، فإنّه لو لا الوضع لم يتحقّق شيء منها ، فحصر الدلالة الوضعيّة في غير الأولى لا وجه له. والانتقال إلى المعنى وإن كان قهريّا في الدلالة الأولى لكنّه لا يضرّ بكونها وضعيّة ، فإنّ ذلك الانتقال القهري معلول للوضع وهذا كما في كلّ فعل توليدي ، فعدم اختيارية الانتقال لا يوجب خروجها عن الدلالة الوضعيّة ، لأنّ علّتها هي الوضع. وكذا عدم وجود هدف الوضع فيها لا يوجب خروجها عن الدلالة الوضعيّة ، غاية الأمر أنّ المتكلّم إذا لم يكن في مقام تفهيم المعنى تخلّف عن داعي الوضع ، وهذا لا يوجب عدم تسمية هذه الدلالة بالوضعية. (م).