وأمّا الكبرى فهي واضحة بأدنى تأمل ، وذلك لأنّ فرض تعدّد اللا متناهي يستلزم أن نعتبر كلّ واحد منهما متناهياً من بعض الجهات حتى يصحّ لنا أن نقول هذا غير ذاك ، ولا يقال هذا إلّا إذا كان كلّ واحد متميزاً عن الآخر ، والتميّز يستلزم أن لا يوجد الأوّل حيث يوجد الثاني ، وكذا العكس. وهذه هي « المحدودية » وعين « التناهي » ، والمفروض انّه سبحانه غير محدود ولا متناه.
فيستنتج من هاتين المقدّمتين انّ وجود الواجب واحد لا يقبل التعدّد.
ومن لطيف القول ما نجده في كلامه سبحانه حيث إنّه بعد ما يصف نفسه بالوحدانية يعقبه بوصف القهارية ويقول : ( الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) (١) ، وما ذلك إلّا لأنّ المحدود المتناهي مقهور للحدود والقيود الحاكمة عليه ، فإذا كان قاهراً من كلّ الجهات لم تتحكم فيه الحدود ، فكأنّ اللا محدودية تلازم وصف القاهرية وقد عرفت أنّ ما لا حدّ له يكون واحداً لا يقبل التعدّد ، فقوله سبحانه : ( وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) من قبيل ذكر الشيء مع البيّنة والبرهان.
٢. لا مدبر للكون إلّا الله
إنّ القرآن يستدلّ على وحدة المدبر ببرهان شيق ، ويقول : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (٢) ، والمراد من الإله في المقام هو الإله الخالق رداً للثنوية الذين يظنون انّ خالق الخير غير خالق الشر أو النصرانية حيث ذهبت إلى التثليث.
وحاصل البرهان : إذا افترضنا انّ للكون خالقين وانّ العالم مخلوق لإلهين ،
______________________
١. الرعد : ١٦.
٢. الأنبياء : ٢٢.