فانّه لا بدّ أن نقول ـ وبحكم كونهما اثنين ـ انّهما يختلفان عن بعض في جهة أو جهات ، وإلّا لما صحّت الاثنينية والتعدّد أي لما صحّ ـ حينئذٍ ـ أن يكونا اثنين دون أن يكون بينهما أي نوع من الاختلاف.
ومن المعلوم أنّ الاختلاف في الذات سبب للاختلاف في طريقة التدبير والإرادة بين المختلفين ذاتاً.
فإذا كان تدبير العالم العلوي ـ مثلاً ـ من تدبير واحد من الإلهين وتدبير العالم السفلي من تدبير إله آخر ، فإنّ من الحتمي أن ينفصم الترابط بين نظامي العالمين ويزول الارتباط بينهما ، لأنّه من المستحيل تدبير موجود ذي أجزاء منسجمة بتدبيرين متنافيين متضادين.
وينتج من ذلك التفكك بين جزئي العالم ، وبالتالي فساد الكون بأسره من سماوات وأرض وما بينهما ، لأنّا جميعاً نعلم بأنّ بقاء النظام الكوني ناشئ من الارتباط الحاكم على أجزاء المنظومة الشمسية بحيث لو فقد هذا الارتباط على أثر الاختلاف في التدبير ـ مثل أن تختل قوتاً الجذب والدفع ـ لتعرّض الكون بأسره للخلل ولم يبق للكون وجود ولا أثر.
هذا هو البرهان المشرق الذي يفسر الآية بالعقل الصريح.
٣. الله تبارك وتعالى فوق الرؤية
يقول سبحانه : ( لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (١) ، انّ الذكر الحكيم يجُلُّ سبحانه من أن تدركه الأبصار وفي الوقت نفسه يدرك الأبصار ، ويمكن تفسير هذه الآية بالوجوه التالية :
______________________
١. الأنعام : ١٠٣.