__________________
ـ قبله ؛ لأن عطف الخبر على الإنشاء ضعيف ، إن لم يكن ممنوعا.
ويكون قوله : (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) قيدا في النهي ، فصار هذا النهي مخصوصا بما إذا كان الأكل فسقا.
ثم طلبنا في كتاب الله تعالى : أنه متى يكون الأكل فسقا؟ فوجدناه مفسرا في آية أخرى (أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) فصار الفسق في هذه الآية مفسرا بما أهل لغير الله به ، وإذا كان كذلك كان قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) مخصوصا بما أهل لغير الله به.
وأجاب بعض الشافعية : بحمل النهي على كراهة التنزيه جمعا بين الأدلة.
أما السنة : فمنها ما روي عن عدي بن حاتم أنه قال : قلت يا رسول الله إني أرسل كلابي المعلمة ، فيمسكن علي ، وأذكر اسم الله؟ فقال : «إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله عليه ثم كل» رواه البخاري ومسلم.
وله روايات أخرى كهذه كلها تدل على وجوب ذكر اسم الله ـ تعالى ـ عند الرمي ، والإرسال.
ومنها : ما روي عن أبي ثعلبة الخشني أن النبي صلىاللهعليهوسلم : قال : «وما صدت بقوسك فاذكر اسم الله عليه ثم كل ، وما صدت بكلبك المعلم فاذكر اسم الله عليه ثم كل».
وأجاب الشافعية عن حديثي عدي وأبي ثعلبة : بأن الأمر فيهما محمول على الندب من أجل أنهما كانا يصيدان على مذهب الجاهلية ، فعلمهما النبي صلىاللهعليهوسلم أمر الصيد : فرضه ومندوبه ؛ لئلا يواقعا شبهة من ذلك ، وليأخذا بأكمل الأمور فيما يستقبلان.
وأما الذين سألوا عن الذبح في حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ السابق ، فإنهم قد سألوا عن أمر وقع ، ليس لهم فيه قدرة على الأخذ بالأكمل ، فعرفهم صلىاللهعليهوسلم بأصل الحل فيه ، وقال لهم «سموا وكلوا».
أما الإجماع : فقالوا في تقريره : لا خلاف فيمن كان قبل الشافعي في حرمة متروك التسمية عامدا ، وإنما الخلاف بينهم في متروك التسمية ناسيا : فمن مذهب ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه يحرم ، ومن مذهب علي وابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ أنه : يحل بخلاف متروك التسمية عامدا.
ولهذا قال أبو يوسف والمشايخ ـ رحمهمالله ـ : إن متروك التسمية عامدا لا يسع فيه الاجتهاد ، ولو قضى القاضي بجواز بيعه : لا ينفذ ؛ لكونه مخالفا للإجماع.
قال الألوسي : والحق أن المسألة اجتهادية ، وثبوت الإجماع غير مسلم ، ولو كان ما كان خرقه الإمام الشافعي ـ رحمهالله تعالى ـ والاستدلال على مدعاه لا يخلو عن متانة.
واستدل لأهل الظاهر بظواهر الأدلة السالفة من الكتاب والسنة ؛ فإن ظاهرهما يدل على حرمة متروك التسمية عمدا كان أو نسيانا ، وقالوا : في وجه الدلالة فيما روي عن رافع بن خديج أنه قال : قلت يا رسول الله إنا نلقى العدو غدا وليست معنا مدى ، أفنذبح بالقصب؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا».
قالوا : إنه علق الإذن بمجموع الأمرين : الإنهار ، والتسمية. والمعلق على شيئين لا يكتفى فيه إلا باجتماعهما ، وينتفي بانتفاء أحدهما.
وأما وجهة الإمام أحمد ـ رحمهالله ـ في الفرق بين الذبح والصيد فهي : أن الذبح وقع في محله ، فجاز أن يتسامح فيه ، بخلاف الصيد.
هذا وقد أشاد ابن حزم بمذهب الظاهرية وقال : إن ما سواه باطل لم يقم عليه دليل ، وادعى أنه لا يعرف للشافعي دليلا ، وضعف الروايات التي استدل بها الحنفية وقال : لا يصح الاستدلال بها.
وبعد : فهذه هي المذاهب الثلاث بأدلتها ، والناظر إليها يرى أن كلا قد أشاد برأيه ، ودعم دليله ، ـ