وأما كراهة الطبع ونفوره فإنه يجوز أن يباح لما ذكرنا ويرتفع ذلك بالعادة ؛ فعلى ذلك الذبح كراهته كراهة الطبع لا كراهة العقل ونفوره](١)
والثاني : أن هذه الأشياء كلها إنما خلقت لنا وسخرت لمنافعنا لم تخلق لأنفسها ، فإذا كان كذلك يحل لنا ذبحها والتناول منها بأمر الذي أنشأها لنا وسخرها لنا.
وبعد ، فإن [من](٢) مذهبهم أن العالم إنما كان بامتزاج النور والظلمة ، والروح من النوراني والجسم من الظلماني ففي الذبح استخراج الروح ورده إلى أصله ؛ إذ من قولهم : إنه يرجع كل إلى أصله في العاقبة ، على ما كان في الأول.
[وأما الجواب عما](٣) قاله أهل الشرك : «أكلتم ما ذبحتم أنتم وتركتم ذبيحة الله» فوجهان :
أحدهما : ما قاله أهل التأويل : أن الخلق له وله الحكم عليهم ؛ فأحل لهم هذا وحرم عليهم هذا.
والثاني : تعبدنا بذكر اسمه عليها ؛ فصار [فيما ذكر](٤) اسم الله إقامة عبادة تعبدنا بها ، وفيما لم يذكر لم يكن عبادة ؛ لذلك (٥) حل لنا ما كان في ذلك إقامة عبادة ، ولم يحل لنا ما لم يكن فيها إقامة عبادة والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) هو في الظاهر أمر ، لكن الأمر الذي يرجع إلى شهوات النفس ولذاتها فإنه يخرج على وجهين :
إما أن يخرج على بيان ما يحل ، أو (٦) النهي عما لا يحل ؛ فهاهنا خرج على بيان ما يحل وتحريم ما لا يحل ؛ كأنه قال : كلوا مما ذكر اسم الله عليه ، ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ).
__________________
(١) بدل ما بين المعقوفين أثبتناه من ب ؛ لأن ما ورد في أمضطرب السياق ونذكره هنا لزيادة التأكيد.
ورد في أ : لكنا نقول : إن كراهة الذبح والنفور عنه نفور طبع وكراهته كراهة طبع يكرهه وينفر عنه ، وليس هو مما يقبحه العقل أن ما لا يجوز أن يباح فعل ويؤمر به مما يقبحه العقل ويكرهه العقل وأما كراهة الطبع ونفوره ، فإنه يجوز أن يباح لما ذكرنا ، ويرتفع ذلك بالعادة فعلى ذلك الذبيحة كراهته كراهة العقل ونفوره. ا. ه.
(٢) سقط في أ.
(٣) في ب : جواب.
(٤) سقط في أ.
(٥) في أ : كذلك.
(٦) في أ : و.