زكاة الحب والثمار إنما تجب فيما بيّن : الجنات المعروشات وغير المعروشات ؛ فدخل في ذلك ـ والله أعلم ـ العنب ، وغير العنب ، والثمار كلها ، وقال : (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) ، فدخل جميع ما تخرج الأرض من كل الأصناف التي سبق ذكرها ، وقال : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) ، فجعل الحق الواجب فيه يوم يحصد ؛ فيجوز أن يكون عفي عما قبل ذلك.
فإن كان هذا هو التأويل ، فهو ـ والله أعلم ـ معنى (١) ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم ولو لم يكن قوله ـ تعالى ـ : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) عفوا عن صدقة ما يؤكل منه ما كان في ذلك فائدة ؛ لأنّ الثمرة تؤكل ولا تصلح لغير ذلك إلا للوجه الذي ذكرنا ، وهو أنهم كانوا يحرمونها ولا ينتفعون بها ؛ فقال ـ عزوجل ـ : كلوا وانتفعوا به ، ولا تضيعوه.
وإذا كان قوله : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) عفوا عن صدقة ما يؤكل منه ، ظهرت فائدة الكلام ، وهو على هذا التأويل ـ والله أعلم ـ ما روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا خرصتم (٢) فخذوا ودعوا الثلث ، فإن لم تدعوا الثلث فالربع» (٣).
__________________
(١) في أ : يعني.
(٢) الخرص لغة : القول بالظن ، ويطلق على الكذب ، ومنه قول الحق تبارك وتعالى : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) [الذاريات : ١٠] ، ويطلق على حزر ما على النخل والكرم من الثمار تمرا أو زبيبا. وروي أن النبي صلىاللهعليهوسلم «أمر بالخرص في النخل والكرم خاصة».
والاصطلاح الشرعي لا يختلف عن ذلك.
وقد ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه يستحب للإمام خرص الثمار على رءوس النخل والكرم خاصة بعد بدو صلاحها ، لتحديد قدرها وقدر الزكاة فيها. فيبعث ساعية ليخرص الثمار على رءوس النخل والكرم بعد بدو صلاحها ، ليعلم بالخرص والتقدير نصاب الزكاة ، والقدر الواجب إخراجه. ويشترط المالكية لذلك : أن يحتاج أصحاب الثمار إلى التصرف فيها ، أما إذا لم يحتاجوا إلى التصرف فيها ، فينتظر جفاف ما يجف من الثمار وتخرج زكاته تمرا أو زبيبا ، وما لا يجف ينتظر جذه ثم يكال البلح ، ويوزن العنب ، ثم يقدر جفافهما إذا شك في بلوغهما النصاب. واستدل جمهور الفقهاء لمشروعية الخرص : بما روى الترمذي أن النبي صلىاللهعليهوسلم : «أمر أن يخرص العنب كما يخرص النخل ، وتؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ صدقة النخل تمرا».
وعند الشافعية قول بوجوب الخرص لظاهر الحديث. وقال الخطابي : أثبت الحديث النبوي الخرص والعمل به ، وهو قول عامة أهل العلم إلا ما روي عن الشعبي أنه قال : الخرص بدعة ، وأنكر أصحاب الرأي ـ يعني الحنفية ـ الخرص ، وقال بعضهم : إنما كان ذلك الخرص تخويفا للأكرة لئلا يخونوا ، فأما أن يلزم به حكم فلا ، وذلك أنه ظن وتخمين وفيه غرر ، وإنما كان جوازه قبل تحريم الربا والقمار.
ينظر : المعجم الوسيط (خرص) ، ومغني المحتاج (١ / ٣٨٦ ، ٣٨٧) ، والمغني (٢ / ٧٠٦) ، حاشية الدسوقي (٢ / ٤٥٣).
(٣) أخرجه أحمد في المسند (٣ / ٤٤٨) ، وأبو داود (١ / ٥٠٤) كتاب الزكاة باب في الخرص (١٦٠٥) والنسائي في الصغرى (٥ / ٤٥) كتاب الزكاة باب كم يترك الخارص (٢٤٩٠) عن سهل بن أبي حثمة.