وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ليس في العرايا (١) صدقة» (٢).
__________________
(١) بيع العرايا جائز في الجملة ، عند جمهور الفقهاء : مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وابن المنذر ، لكن التحقيق أن مالكا ليس معهم. واستدل الجمهور المجيزون بما يلي :
ـ بحديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم «نهى عن بيع التمر بالتمر ، ورخص في العرية ، أن تباع بخرصها ، يأكلها أهلها رطبا».
قال ابن قدامة : والرخصة : استباحة المحظور مع وجود السبب الحاظر ، فلو منع مع وجود السبب من الاستباحة ، لم يبق لنا رخصة بحال.
ـ وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم «رخص في بيع العرايا ، في خمسة أوسق ، أو دون خمسة أوسق».
قال المحلي ـ من الشافعية ـ : شك داود بن الحصين أحد رواته ، فأخذ الشافعي بالأقل ، في أظهر قوليه.
والحنفية ـ وكذا مالك في التحقيق ـ لم يستجيزوا ، بيع العرايا ، وذلك : للنهي عن المزابنة ، وهي : بيع التمر على رأس النخل بتمر مجدود مثل كيله خرصا ، وللحديث الصحيح المعروف عن عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلا بمثل ، سواء بسواء ، يدا بيد ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم ، إذا كان يدا بيد». وفي بعض رواياته : «فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، الآخذ والمعطي فيه سواء». فهذه النصوص ، وأمثالها لا تحصى ، كلها مشهورة ، وتلقتها الأمة بالقبول ، فلا يجوز تركها ولا العمل بما يخالفها ، وهذا لأن المساواة واجبة بالنص ، والتفاضل محرم به ، وكذا التفرق قبل قبض البدلين ؛ فلا يجوز أن يباع جزافا ، ولا إذا كان أحدهما متأخرا ، كما لو كان أكثر من خمسة أوسق.
وهذا لأن احتمال التفاضل ثابت ، فصار كما لو تفاضلا بيقين ، أو كانا موضوعين في الأرض.
ومعنى العرايا ، وتأويلها عند المانعين فيما ذكر من الأحاديث :
ـ أن يكون للرجل النخلة أو النخلتان ، في وسط النخل الكثير لرجل ، وكان أهل المدينة إذا كان وقت الثمار ، خرجوا بأهليهم إلى حوائطهم ، فيجيء صاحب النخلة أو النخلتين ، فيضر ذلك بصاحب النخل الكثير ، فرخص صلىاللهعليهوسلم لصاحب الكثير أن يعطيه خرص ما له من ذلك تمرا ، لينصرف هو وأهله عنه ، روي هذا عن مالك.
ـ وما روي عن أبي حنيفة ، أنه قال : معنى ذلك عندنا : أن يعري الرجل الرجل نخلة من نخله ، فلا يسلم ذلك إليه حتى يبدو له ، فرخص له أن يحبس ذلك ، ويعطيه مكانه بخرصه تمرا مجذوذا بالخرص بدله. وهو جائز عند الحنفية ـ كما قالوا ـ لأن الموهوب له لم يملك الثمرة لعدم القبض ، فصار بائعا ملكه بملكه ، وهو جائز لا بطريق المعاوضة ، وإنما هو هبة مبتدأة ، وسمي ذلك بيعا مجازا ؛ لأنه لم يملكه فيكون برا مبتدأ ، كما يقول المرغيناني.
ينظر : المصباح المنير مادة (عرو) ، نيل الأوطار (٥ / ٢٠٠) ، شرح المحلي على المنهاج (٢ / ٢٣٨) ، وتحفة المحتاج (٤ / ٤٧٢) ، كشاف القناع (٣ / ٢٥٨ ، ٢٥٩) ، والشرح الكبير في ذيل المغني (٤ / ١٥٢) ، فتح القدير (٦ / ٥٤).
(٢) أخرجه البيهقي في الكبرى (٤ / ١٢٥) ، وله شاهد من حديث علي بن أبي طالب أخرجه الدار قطني في سننه (٢ / ٩٥) كتاب الزكاة باب ليس في الخضراوات صدقة وذكره الزيلعي في نصب الراية ، وقال : أخرجه الدار قطني عن الصفر بن حبيب عن أبي رجاء العطاردي عن ابن عباس عن علي مرفوعا ، ـ