الواحد لا يعمل في نسخ الكتاب (١) ، وقد قال : (لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً).
__________________
ـ لحوم الحمر الأهلية ، والدار قطني (٤ / ٢٨٧) باب الصيد والذبائح ، حديث (٥٩) ، والبيهقي (٩ / ٣٣٢) كتاب : الضحايا ، باب : ما جاء في أكل لحوم الحمر الأهلية.
(٢) وهو في الاصطلاح ما لم يبلغ مبلغ التواتر ، فيصدق على المشهور ، والعزيز ، والغريب. والعزيز : ما جاء في طبقة من طبقات رواته ، أو أكثر من طبقة ـ اثنان ، ولم يقل في أي طبقة من طبقاته عنهما. والغريب : ما جاء في طبقة من طبقات رواته ، أو أكثر ـ واحد تفرد بالرواية. ينظر : البحر المحيط (٤ / ٢٥٧) ، والبرهان (١ / ٥٩٩) ونهاية السول (٣ / ٩٧) ، ومنهاج العقول (٢ / ٣١٧) والتحصيل من المحصول (٢ / ١٣٠).
(١) اختلف العلماء في جواز نسخ القرآن بالسنة ووقوعه ، ونعني بالسنة هنا المتواترة لأن الآحاد لم يخالف في عدم نسخ القرآن بها أحد اللهم إلا أقل القليل فذهب جمهور المتكلمين من الأشاعرة والمعتزلة إلى جوازه ووقوعه ، ومالك وأصحاب أبي حنيفة وابن سريج إلى جوازه دون وقوعه وقطع الشافعي بالمنع مطلقا ولكل فريق على مدعاه أدلة والذي يظهر لي أن المختار من هذه المذاهب هو مذهب الفقهاء كما يتضح من الأدلة بعد.
أما المتكلمون فاستدلوا على الجواز بالوقوع وذلك أن الوصية للوالدين والأقربين الثابتة بقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)[البقرة : ١٨٠] نسخت بقوله صلىاللهعليهوسلم : «ألا لا وصية لوارث» وأن جلد الزاني الثابت بقوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) [النور : ٢] نسخ بالرجم الثابت بالسنة.
والاستدلال بهذين المثالين باطل لما فيهما من نسخ القرآن بآحاد السنة وليس هو موضوع البحث في هذا الضرب. هذا هو وجه بطلانه أما وجه ضعفه فلجواز أن تكون الآية الأولى منسوخة بآية المواريث والثانية منسوخة بالآية التي نسخ لفظها وبقي حكمها كما قال عمر : «لو لا أنني أخشى أن يقال زاد عمر في القرآن ما ليس منه لكتبت «الشيخ والشيخة إذا زنيا .... على حاشية المصحف» وبهذا ظهر أنه لم يقع نسخ من الشارع بهذا النحو.
وأما الفقهاء فذهبوا إلى أن نسخ القرآن بالسنة المتواترة جائز عقلا غير واقع شرعا : أما الأول فلأن النسخ في الحقيقة بيان مدة الحكم كما أسلفنا فإذا ثبت حكم بالكتاب لم يمتنع أن يبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم مدة بقائه بوحي غير متلو كما لا يمتنع أن يبينها بوحي متلو وكما لا يمتنع أن يبين مجمل الكتاب بعبارته لا يمتنع أن يبين مدة الحكم المطلق بعبارته ألا ترى أن النسخ إسقاط الحكم في بعض الأزمان الداخلة تحت العموم كما أن التخصيص إسقاط الحكم في بعض الأعيان الداخلة تحت العموم فإذا لم يمتنع تخصيص الكتاب بالسنة المتواترة لم يمتنع نسخه بها أيضا وبهذا ثبت أن ذلك ليس يمتنع عقلا.
وأما أنه غير واقع شرعا فلأننا لم نجد في كتاب الله نسخا وقع على هذا النحو ، على أن هناك من الأدلة النقلية ما يمنع جواز ذلك شرعا.
أولا : قوله تعالى : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ)[النحل : ١٠١] فهذا يفيد أن الله تعالى يبدل الآية بالآية لا بالسنة.
ثانيا : قوله تعالى : (قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ)[يونس : ١٥] وهذا دليل على أن القرآن لا ينسخ بغير القرآن.
ثالثا : قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها)[البقرة : ١٠٦] وذلك يدل على أن الآية لا تنسخ إلا بآية وبيانه من أوجه :
الأول : أنه قال (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) والسنة ليست خيرا من القرآن ولا مثله. ـ