وعملوا به وظهر العمل به حتى لا يكاد يوجد ذلك يباع في أسواق المسلمين ؛ دل أنه [من] المتواتر.
قال الشيخ ـ رضي الله عنه ـ : وعندنا أن لفظة «التحريم» [على الإطلاق لا تقال إلا في النهايات من الحرمة ، ونحن نقول : لا تطلق لفظة التحريم](١) في الحيوان إلا فيما ذكر في الآية من الميتة ، والدم المسفوح ، والخنزير ، ولكن يقال : منهي عنه مكروه ، ولا يقال : محرم مطلقا ، ويقال : لا يؤكل ولا يطعم.
وبعد : فإن الآية لو كانت في غير الوجهين اللذين ذكرناهما ، لم يكن فيها دليل حل ما عدا المذكور في الآية ؛ لأنه قال : (لا أَجِدُ) ، ولم يوجد في وقت ، ثم وجد في وقت آخر ، [و] هذا جائز.
وفي قوله : (مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) دلالة أن الجلد (٢) يحرم بحق اللحمية ؛ لأنه أمكن أن يشوى فيؤكل ؛ فحرمته حرمة اللحم ، فإذا دبغ (٣) خرج من أن يؤكل ؛ [فظل هو
__________________
ـ والبحر المحيط (٣ / ٥) ، والإحكام في أصول الأحكام (٢ / ١٨٥) ، وزوائد الأصول ص (٢٤٨) ، والمستصفى (٢ / ٣٢) ، وحاشية البناني (١ / ٣٩٢) والآيات البينات (٢ / ٢٥٤) ، وتخريج الفروع على الأصول ص (٣٢٦).
(١) سقط في أ.
(٢) الجلد في اللغة : ظاهر البشرة ، قال الأزهري : الجلد غشاء جسد الحيوان ، والجمع جلود ، قال الله تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) [النساء : ٥٦]. وقد يجمع على أجلاد ويطلق على الجلد أيضا «المسك». وسمي الجلد جلدا لأنه أصلب من اللحم ، من الجلد وهو صلابة البدن. ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي.
وقد ذهب الفقهاء إلى أن الحيوان المأكول المذكى ، يؤكل جلده قبل الدبغ ما لم يغلظ ويخشن ويصر جنسا آخر غير اللحم ، لأن الذكاة تحل لحمه وجلده وسائر ما يجوز أكله منه. أما الحيوان المأكول الذي مات أو ذكي ذكاة غير شرعية ، فإن جلده قبل دبغه لا يؤكل ، لقول الله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ)[المائدة : ٣] ، ولقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «إنما حرم من الميتة لحمها» والجلد جزء من الميتة فحرم أكله كسائر أجزائها. هذا عن الحكم قبل الدباغ ، أما بعده : فقد ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة ، وهو الأصح عند الشافعية في القديم المفتى به إلى تحريم أكل جلد الميتة بعد الدباغ للآية والحديث السابقين ، سواء أكان من حيوان مأكول أم غير مأكول. ينظر : تاج العروس) (جلد) ، رد المحتار على الدر المختار (١ / ١٣٦) ، جواهر الإكليل (١ / ١٠) ، والمغني (١ / ٧٠).
(٣) الدباغة في اللغة : مصدر : دبغ الجلد يدبغه دبغا ودباغة ، أي : عالجه ولينه بالقرظ ونحوه ؛ ليزول ما به من نتن وفساد ورطوبة ، والدباغة أيضا اسم يطلق على حرفة الدبّاغ وهو صاحبها. والدبغ والدباغ بالكسر ما يدبغ به الجلد ليصلح. والمدبغة موضع الدبغ. وتطلق الدباغة في اصطلاح الفقهاء على المعنى اللغوي نفسه. قال الخطيب الشربيني : الدبغ نزع فضول الجلد ، وهي مائيته ورطوباته التي يفسده بقاؤها ، ويطيبه نزعها بحيث لو نقع في الماء لم يعد إليه النتن والفساد. ويشترط عند بعض الفقهاء أن يكون الدبغ بما يحرف الفم ، أي يلذع اللسان بحرافته كالقرظ والعفص ونحوهما.
والدباغة مباحة ، وهي من الحرف التي فيها مصلحة الناس ، وقد استدلوا لجواز الدباغة ـ