قال أبو عوسجة : المسفوح المصبوب ؛ تقول : سفحت : صببت.
وقال القتبي (١) : مسفوحا ، أي : سائلا.
وقال ابن عباس (٢) ـ رضي الله عنه ـ : المسفوح : هو الذي يهراق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَحْمَ خِنزِيرٍ).
ذكر (٣) اللحم وذكر حرمة الميتة ؛ ليعلم أن الخنزير (٤) بجوهره حرام ، والميتة حرمتها لا بجوهرها ، لكن لما اعترض ؛ لذلك قلنا : [إنه](٥) لا بأس بالانتفاع بصوف الميتة ووبرها وعظمها ، ولا يجوز من الخنزير شيء ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ).
قيل : غير باغ : يستحله في دينه ، ولا عاد ، أي : ولا متعد بألم يضطر إليه فأكله. وقد ذكرنا أقاويلهم والاختلاف في تأويله في صدر الكتاب.
(فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ) ، لأكله الحرام في حال الاضطرار ، (رَحِيمٌ) ، حيث رخص الحرام في موضع الاضطرار ، وهذا ـ أيضا ـ قد مضى ذكره في غير موضع (٦).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) [١٤٦].
__________________
ـ (١ / ٣٠ ، ١٤٣ ، ١٥٨) وما بعدها ، والقوانين الفقهية (٤٤ ، ١٣٧) ، وروضة الطالبين (١ / ١٣٤ ، ١٧٤) وما بعدها ، وكشاف القناع (١ / ١٩٦) وما بعدها.
(١) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ١٣٨) ولم ينسبه لأحد.
(٢) أخرجه ابن جرير (٥ / ٣٨٠) (١٤٠٩١) ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٩٧) ، وعزاه لابن المنذر عن ابن جريج.
(٣) في ب : ذلك.
(٤) الخنزير حيوان خبيث ، قال الدميري : الخنزير يشترك بين البهيمية والسبعية ، فالذي فيه من السبع الناب وأكل الجيف ، والذي فيه من البهيمة الظلف وأكل العشب والعلف. أجمعت الأمة على حرمة أكل لحم الخنزير إلا لضرورة ؛ لقوله سبحانه وتعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأنعام : ١٤٥]. ونص الحنابلة على تقديم أكل الكلب على الخنزير عند الضرورة ، وذلك لقول بعض الفقهاء بعدم تحريم أكل الكلب. كما يقدم شحم الخنزير وكليته وكبده على لحمه ، لأن اللحم يحرم تناوله بنص القرآن ، فلا خلاف فيه. ونص المالكية على وجوب تقديم ميتة غير الخنزير على الخنزير عند اجتماعهما ، لأن الخنزير حرام لذاته ، وحرمة الميتة عارضة.
ينظر : حاشية ابن عابدين (٥ / ١٩٦) ، حاشية الدسوقي (٢ / ١١٦ ، ١١٧) ، مطالب أولي النهى (٦ / ٣٢١) ، المجموع (٩ / ٢ ، ٣٩)
(٥) سقط في أ.
(٦) عند قول الله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة : ١٧٣].