شيء ؛ لأن «لا شيء» في الشاهد ، إنما يقال إما للنفي أو للتصغير ، ولا يجوز في الغائب النفي ولا التصغير ؛ فدل أنه إنما يراد ب «الشيء» الإثبات لا غير وبالله العصمة.
ذكر في بعض القصّة في قوله : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) أن رؤساء مكة أتوا رسول الله ، فقالوا : يا محمد ، أما وجد الله رسولا يرسله غيرك ، ما ترى (١) أحدا يصدقك بما تقول ، ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر ، ولا صفة ، ولا مبعث ، فأرنا من شهد لك أنك رسول الله [كما تزعم](٢). فقال الله ـ تعالى ـ : يا محمد ، قل لهم : (أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) ، يقول : أعظم شهادة ؛ يعني : البرهان ، محمد حجة وبرهان (٣) ، فإن أجابوك فقالوا : الله ، وإلا فقل لهم : الله أكبر شهادة من خلقه أني رسوله ، والله شهيد بيني وبينكم في كل اختلاف بيننا وبينكم ، في التوحيد ، وإثبات الرسالة ، والبعث ، وكل شيء (٤).
وذكر في هذه القصة أنهم لما قالوا : من يشهد أن الله أرسلك رسولا ، قالوا : فهلا أنزل إليك ملك. فقال الله لنبيّه : [قل لهم : (أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً)؟ فقالوا : الله أكبر شهادة من غيره ، فقال الله :](٥) قل لهم يا محمد : الله شهيد بيني وبينكم أني رسول الله ، وأنه أوحى إليّ هذا القرآن لأنذركم به ، ومن بلغه القرآن من الجن والإنس فهو نذير له.
ثم قال لهم : (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى) ، قالوا : نعم ، نشهد. فقال الله لنبيّه : قل لهم : لا أشهد بما شهدتم ، ولكن أشهد أنما هو إله واحد ، وإنني بريء مما تشركون (٦).
__________________
ـ أحسن الأشياء وفي أرذلها. ومتى كان كذلك ، لم يكن المسمى بهذا اللفظ صفة من صفات الكمال ، فوجب ألا يجوز دعوة الله بهذا الاسم ؛ لأنه ليس من الأسماء الحسنى ، وقد أمر تعالى بأن يدعى بها. وأجيب : بأن كونه ليس من الأسماء الحسنى ، لكونها توقيفية ، وكونه لا يدعى به لعدم وروده ـ لا ينافي شموله للذات العلية ، شمول العام. والمراد بإطلاقه عليه تعالى (فيما تقدم) شموله ، لا تسميته به. وبالجملة فلا يلزم من كونه ليس من الأسماء الحسنى ، ألا يشمل الذات المقدسة شمولا كليّا ، كيف وهو من الموضوعات العامة؟ والتحاكم للغويين في ذلك.
ينظر تفسير القاسمي (٦ / ٤٨١ ـ ٤٨٣) ، والإملاء لأبي البقاء العكبري (١ / ٢٣٧) واللباب لابن عادل (٨ / ٦٤).
(١) في ب : نرى.
(٢) سقط في أ.
(٣) زاد في ب : وكل شيء حجة وبرهان.
(٤) ذكره الرازي في تفسيره (١٢ / ١٤٥ ـ ١٤٦) وعزاه لابن عباس ، وابن عادل في اللباب (٨ / ٦٤) وعزاه للكلبي.
(٥) سقط في ب.
(٦) في ب : تعملون.