رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ) ، أي : أدعوكم إلى وحدانية الله ، وعبادته ، والتمسك بالدين الذي به نجاتكم ، وكل من دعا آخر إلى ما به نجاته فهو ناصح له.
ويحتمل قوله : (وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ) ، أي : كنت ناصحا لكم قبل هذا أمينا فيكم ، فكيف تكذبونني وتنسبونني إلى السفه ، وأنا أمين على الرسالة والوحي الذي وضع الله عندي؟!
وقوله ـ عزوجل ـ : (أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) : شئتم أو أبيتم.
أو يقول : أبلغكم رسالات ربي خوفتموني أو لم تخوفوني ، قبلتم عني أو لم تقبلوا.
أو يقول : أبلغكم رسالات ربي ، فكيف تنسبونني إلى السفه والافتراء على الله؟!
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ).
يحتمل قوله : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ) وجوها :
أحدها : أنه جعلكم خلفاء قوم أهلكهم بتكذيبهم الرسل ، ولم يهلككم ، فاحذروا أنتم هلاككم بتكذيبكم الرسول كما أهلك أولئك بتكذيبهم الرسل.
أو أن يقال : جعلكم خلفاء قوم صدقوا رسولا من البشر وهو نوح ، فكيف كذبتموني في دعوى الرسالة لأني بشر ودعائي إلى عبادة الله ووحدانيته؟! هذا تناقض.
والثاني : أن اذكروا نوحا وهو كان رسولا من البشر ، فكيف تنكرون أن يكون الرسول [بشرا]؟ وكان الرسل جميعا من البشر.
والثالث : أن اذكروا نعمة الله التي أنعمها عليكم من السعة في المال ، والقوة في الأنفس ، وحسن الخلقة ، والقامة ، وكان لعاد ذلك كله ؛ كقوله : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ ....) الآية [الفجر : ٦ ـ ٧]. هذا في السعة في المال ، وأما القوة في الأنفس والقامة ما ذكر في قوله : (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) [الحاقة : ٧] ، أو قوله : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [القمر : ٢٠] ، فيه وصف لهم بالقوة ، وطول القامة ، وعلى ذلك فسر بعض أهل التأويل (١).
وقوله : (وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً) يعني : قوة وقدرة.
وقال غيره (٢) : هو الطول والعظم في الجسم ، وذكر الله ـ عزوجل ـ في عاد أشياء أربعة خصّهم بها من بين غيرهم.
أحدها : العظم في النفس ؛ كقوله : (وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً).
__________________
(١) انظر تفسير الخازن والبغوي (٢ / ٥٣٠) ، وتفسير أبي حيان في البحر المحيط (٤ / ٣٢٨).
(٢) انظر المصدر السابق.