يقلدوا من نجا منهم ، ولم يعبدوا غير الله دون أن قلدوا الذين عبدوا غير الله؟ فذلك تناقض ، حيث اتبعوا من هلك منهم بتكذيبهم الرسل (١) وعبادتهم غير الله ، ولم يتبعوا من نجا منهم.
يذكر ـ عزوجل ـ سفههم وتناقضهم في القول في إنكارهم الرسول من البشر ، ولكن ذكر سفههم وتناقضهم بالتعريض لا بالتصريح ، وكذلك عامة ما ذكر في كتابه من سفههم إنما ذكر بالتعريض.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).
إنه كان يعدهم (٢) العذاب إن لم يصدقوه فيما يدعوهم إليه ، وترك تقليدهم آباءهم في عبادتهم غير الله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ).
قال بعضهم : الرجس : العذاب ، أي قد وجب (٣) عليكم العذاب بتكذيبكم هودا ، وتقليدكم (٤) آباءكم في عبادتكم غير الله ، (وَغَضَبٌ) : وهو العذاب أيضا.
وجائز : أن يكون الرجس هاهنا الخذلان ، وحرمان التوفيق والمعونة ، أي : قد وقع عليكم ووجب الخذلان ، وحرمان التوفيق باختياركم ما اخترتم.
وقال بعضهم : الرجس : هو الإثم والخبث ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) [الحج : ٣٠] ، وقوله : (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) [المائدة : ٩٠] وقوله : «اللهم إني أعوذ بك من الرجس» (٥) النجس الخبيث المخبث من الشيطان الرجيم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها).
ومجادلتهم ما قالوا : (أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ) ويحتمل في (أَسْماءٍ) أي : بأسماء سميتموها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ).
__________________
(١) في ب : الرسول.
(٢) في أ : بعد.
(٣) في ب : وقع.
(٤) في أ : أو تقليدكم.
(٥) أخرجه ابن ماجه (١ / ٢٦٧ ـ ٢٦٨) كتاب الطهارة باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء (٢٩٩) عن أبي أمامة ، وذكره الزبيدي ، في إتحاف السادة المتقين (٢ / ٣٣٩) ، والهندي في الكنز (١٧٨٧٥) وعزاه لأبي داود في المراسيل عن الحسن مرسلا ، ولابن السني عن أنس مرفوعا.