ولم يؤخذ عليه كذب قط ، وقد كان نشأ بين أظهرهم ، وغير ذلك من الأعلام التي كانت في نفسه ظاهرة لقومه ، فلو لم يكن له آيات غيرها ، لكانت واحدة منها كافية لمن لم يكابر ، فكيف وقد كانت له آيات حسّية وعقلية سوى ما ذكرنا تقهر المنصفين على قبولها!
ويحتمل قوله : (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي : حجة على أنه رسول أو على توحيد الله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ) وذكر في هود في قصته : (وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ) [هود : ٨٥] ، وليس في قوله : (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ) أنهم كانوا لا يوفون [ولكن فيما ذكر](١) في سورة هود.
(وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ).
ودل قوله : (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) أن الأشياء ملك لهم ، وإن كانت في قبض أولئك ، وفي أيديهم ، ثم يحتمل الأمر بإيفاء (٢) الكيل والميزان وجوها :
أحدها : لما كانوا أمناء ؛ لئلا تذهب عنهم تلك الأمانة التي كانت لهم في قومه.
والثاني : لئلا يظلموا الناس في منع حقوقهم وأموالهم.
والثالث : للربا ، كأن ما منعوا منه من الكيل والوزن ربا لهم ، يدل على ذلك قوله : (بِالْقِسْطِ) [هود : ٨٥] ذكر العدل ، فلو كان يجوز تلك الزيادة والنقصان إذا طابت أنفسهم بالزيادة والنقصان ، لكان لا معنى لذكر القسط فيه ؛ لأن من زاد آخر على حقه لم يمنع عن ذلك ، ولم يذم ، دل النهي عن ذلك على أنه للربا ما منعوا [عن ذلك](٣) والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها).
أي : بعد أن جعلها لكم صالحة لمعاشكم ومقامكم فيها ، أو بعد ما أمر وبين لكم ما به صلاحكم وصلاح دينكم ، أو بعد ما أرسل من الرسل ما بهم صلاح الأرض وأهلها.
(ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ).
__________________
ـ عليه وسلم ـ قد اشتهر في قريش وكثر ذكره فيهم ، وإلى ذلك أشار عمه العباس ـ رضي الله تعالى عنه ـ حيث قال في حقه ـ صلىاللهعليهوسلم ، وزاده شرفا وفضلا ـ :
وأنت لما ولدت أشرقت ال |
|
أرض وضاءت بنورك الأفق |
فنحن في ذلك الضّياء وفي الن |
|
نور وسبل الرشاد نخترق |
ينظر : سبل الهدى والرشاد (١ / ٤١١ ـ ٤١٣).
(١) سقط في أ.
(٢) الإيفاء لغة : هو أخذ صاحب الحق حقه كاملا دون أن يترك منه شيئا.
ينظر : القاموس المحيط ولسان العرب [وفي].
(٣) سقط في أ.