قال بعض أهل التأويل : قوله : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) ، أي : وفاء الكيل والميزان خير لكم من النقصان ؛ لما ينمو ذلك الباقي ويزداد ، فذلك خير لكم من النقصان الذي تمنعون ، فلا ينمو شيئا ، وهو كقوله : (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ) [هود : ٨٦].
ويحتمل : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ، أي : أمنكم في الآخرة خير لكم من نقصان الكيل والميزان في الدنيا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ).
يحتمل ما قاله أهل التأويل : إن كبراء أهل الشرك ورؤساءهم كانوا يقعدون في الطرق أناسا يصدون الذين يأتون شعيبا للإيمان من الآفاق (١) والنواحي (٢) ، ويكون [معنى](٣) قوله : (مَنْ آمَنَ بِهِ) على هذا التأويل ، أي : من أراد أن يؤمن به.
ويحتمل قوله : (وَلا تَقْعُدُوا) ليس على القعود نفسه ، ولكن على المنع من إقامة الشرائع التي شرع الله لشعيب ؛ كقول إبليس : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) [الأعراف : ١٦] ، ليس هو على القعود نفسه ، ولكن على المنع ؛ يمنعهم عن صراطه المستقيم ، فعلى [ذلك](٤) قوله : (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ) كانوا يمنعون من آمن به عن إقامة الشرائع (٥) والعبادات التي دعوا إلى إقامتها ، ويوعدون على ذلك
__________________
(١) أي : النواحي ، جمع : أفق ، نحو : عنق وأعناق. وقيل : الواحد : إفق ، نحو : حمل وأحمال. قال :
تهمى تصب أفقا من بارق تشم
يروى : أفقا ، وإفقا ، والبيت على القلب أصله : تهمي تصب بارقا من أفق ، أي : من أي جهة وناحية ، والنسب إليه : أفقي.
والآفق : الذاهب في الآفاق ، وبه شبه الذي بلغ النهاية في الكرم ، فقيل له : آفق ؛ لأنه ذهب في آفاق الكرم. والآفاقي : هو الضارب في الآفاق للتكسب.
والإفك : صرف الشيء عما يحق أن يكون عليه. قال تعالى : (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)[فاطر : ٣] أي : تصرفون عن وجه الصواب. ومنه قيل للرياح العادلة عن مهابها : مؤتفكات ، أي : مصروفات عن مهابها. وقال الشاعر :
إن تك عن أحسن المروءة مأ |
|
فوكا ففي آخرين قد أفكوا |
ورجل مأفوك ، أي : مصروف العقل.
وقوله : (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ)[الذاريات : ٩] أي يصرف عن الحق من صرف في سابق علم الله تعالى.
ينظر : عمدة الحفاظ (١ / ١٠٦ ، ١٠٧) ، والنهاية (١ / ٥٦).
(٢) الناحية : الجانب والجهة. ينظر المعجم الوسيط (٢ / ٩٠٨).
(٣) سقط في ب.
(٤) سقط في أ.
(٥) الشريعة في اللغة : الطريق الموصلة إلى الماء والمورد العذب الذي ترده الشاربة ويستقى منه إذا كان ـ