وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً).
قوله : (أَفْرِغْ). قيل (١) : أنزل علينا صبرا.
وقيل : أتمم لنا صبرا.
وقيل (٢) : اصبب علينا صبرا ، وهو كله واحد.
ثم يحتمل سؤالهم الصبر لما لعله إذا فعل بهم بما أوعد من العقوبات لم يقدروا على التصبر (٣) ، [على ذلك](٤) فيتركون الإيمان ؛ لذلك سألوا ربهم الصبر على ذلك ليثبتوا على الإيمان به.
(وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ).
سألوا ربهم ـ أيضا ـ التوفي على الإسلام ، وهكذا كان دعاء الأنبياء ، كما قال يوسف (٥) : (تَوَفَّنِي مُسْلِماً ...) الآية.
__________________
(١) ذكره الرازي في تفسيره (١٤ / ١٧٠).
(٢) ذكره الرازي في تفسيره (١٤ / ١٧٠) ونسبه لمجاهد.
(٣) في ب : الصبر.
(٤) سقط في أ.
(٥) بشر الله سبحانه إبراهيم ـ عليهالسلام ـ بإسحاق وبابنه يعقوب بن إسحاق : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) [هود : ٧١] ويعقوب هو إسرائيل الذي ينتسب إليه بنو إسرائيل كما يناديهم القرآن ، ويوسف أحد الأبناء الاثني عشر ليعقوب عليهماالسلام ، وقد نص القرآن على نبوة يوسف ورسالته من بين إخوته ، قال تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [يوسف : ١٥] ، (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [يوسف : ٦] (وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ) [غافر : ٣٤].
وفي الحديث من طريق ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم : يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن» ، وقد أبان القرآن عن قصة يوسف ـ عليهالسلام ـ مع إخوته وما حصل له ولأبيه يعقوب ـ عليهماالسلام ـ من الابتلاء العظيم.
فقد رأى يوسف ـ عليهالسلام ـ رؤيا منام تبين عن فضله ومكانته بين إخوته ووالديه ، وأن الله يجتبيه إليه ويمكن له في الأرض : (إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ* قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ. وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[يوسف : ٤ ، ٦] وقد شعر إخوة يوسف بهذا فحسدوه وأجمعوا أمرهم على أن يغيبوه عن وجه أبيه ويقطعوا أمله منه ولو كان ذلك بقتله حيث قال بعضهم لبعض : (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ)[يوسف : ٩](وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ* قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ* وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ) ـ