__________________
ـ (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ)[يوسف : ١٦ ، ١٨] وكان هذا أول الابتلاء ليوسف وأبيه ، عليهماالسلام.
وجاءت سيارة فأخذوا يوسف وباعوه على عزيز مصر.
وقد ابتلي يوسف ابتلاء أشد مما حصل له مع إخوته وفراقه لأبيه ، ذلك أن امرأة العزيز التي هو في بيتها قد ابتلته بنفسها وكادت مع نسوة في المدينة أن يوقعنه في شراكهن لو لا عناية الله تعالى به والتجاؤه إلى ربه ليصرف عنه كيدهن ، فاستجاب الله له فصرف عنه كيدهن ، واختار السجن ليبقى فيه ويسلم مما يدعونه إليه من الفحشاء : (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ)[يوسف : ٣٣ ، ٣٥] وقد آتاه الله حكما وعلما وتعبيرا للرؤيا على وجهها الصحيح ، فأخذ يدعو إلى الله ـ عزوجل ـ وإلى عبادته وحده لا شريك له وهو في السجن (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)[يوسف : ٣٩ ، ٤٠].
ورأى الملك رؤيا أفزعته فطلب تأويلها من ملئه : (قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ)[يوسف : ٤٤] فأرسل الملك إلى يوسف فعبر لهم الرؤيا على حقيقتها وتبين لهم علمه وصدقه ، وجعله الملك على خزائن الأرض ليقوم بإصلاحها وحفظها ، (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)[يوسف : ٥٤ ، ٥٦].
وجاء إخوة يوسف إليه للمرة الثانية لعله أن يوفي لهم الكيل من الطعام ، فآوى إليه أخاه الشقيق بعد أن جعل الصواع في رحله وهم لا يشعرون ، وكان في شريعتهم أن السارق يؤخذ ملكا للمسروق منه ؛ لذلك أعلن للجميع أن صواع الملك قد سرق ولمن جاء به حمل بعير من الطعام مضمون : (قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ. قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ* قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ* قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ* قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ* فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) [يوسف : ٧١ ، ٧٦] وهكذا أخذ يوسف أخاه إليه ورجع إخوته إلى أبيهم وأخبروه بما جرى لأخيهم ، وكان أبوهم قد أخذ عليهم موثقا لا يأتون إلا به ، ولم يزد ذلك يعقوب إلا إيمانا بالله وتوكّلا عليه وصبرا على ما قدره عليه وابتلاه به ، ولم ييئس من رحمة الله ، فهو منتظر فرج الله أن يأتيه خبر يوسف وأخيه قال : (يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ)[يوسف : ٨٧].
وجاء إخوة يوسف للمرة الثالثة يشكون إليه حالهم وما أصاب أباهم من الحزن ، ورق لهم قلب يوسف الكريم فأطلعهم على حاله وحال أخيه ، واستغفر لهم ولم يثرب عليهم (قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ* قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ* قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ* قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[يوسف : ٨٩ ، ٩٢] ودفع إليهم قميصه ليضعوه على وجه أبيه ليأتي بصيرا ، وأمرهم بأن يأتوا بأهلهم أجمعين. ورفع ـ