[وكذلك أوصى إبراهيم] (١) بنيه ؛ حيث قال : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [البقرة : ١٣٢] ، وهكذا الواجب على كل مسلم ومؤمن أن يتضرع إلى الله في كل وقت ، ويبتهل إليه في كل ساعة ؛ لئلا يسلب الإيمان لكسب يكتسبه ؛ إذ الأنبياء والرسل ـ عليهمالسلام ـ مع عصمتهم كانوا يخافون ذلك ليعلم أن العصمة لا تسقط الخوف ، ولا تؤمن [عن] (٢) الزلات.
وقوله : (رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً) دلالة على أنهم علموا أنهم إذا أفرغ عليهم الصبر صبروا ؛ إذ لو لم يعلموا ذلك لم يكن لسؤالهم الصبر معنى ، فهذا على المعتزلة في قولهم : إنه يفرغ ولا يصبرون ، وإنه قد أعطاهم غاية ما يصلح في الدين ، فدلّ سؤالهم ذلك على أنه لم يعطهم ، وأن عنده مزيدا لو أعطى لهم ذلك كان.
(وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) وقوله : [لتفسدوا فى الأرض](٣).
قال بعضهم : في إخراجكم من أرض مصر (٤) وإفسادهم العيش عليكم ، أو ما ذكروا
__________________
ـ يوسف أبويه على العرش وخروا له سجدا ؛ مبالغة في التحية في شريعتهم. وتلك حقيقة رؤيا يوسف ـ عليهالسلام ـ التي رآها وقصها على أبيه من قبل قال تعالى : (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ* وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)[يوسف : ٩٩ ، ١٠٠].
وتلك نعمة عظيمة على يوسف وأبيه يعقوب ـ عليهماالسلام ـ جزاء صبرهما وتعلقهما بالله وحده والدعوة إليه ، ويشكر يوسف ـ عليهالسلام ـ هذه النعمة العظيمة التي أعطاه الله ويعترف بما وهبه الله من جزيل النعم ، وذلك ما قصه الله في ختام قصته : (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)[يوسف : ١٠١] والله أعلم.
ينظر رسالة «الشرائع السابقة ومدى حجيتها في الشريعة الإسلامية» ص (٥٤ ، ٥٧).
(١) في أ : وكذلك كان أوصى إبراهيم.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في أ.
(٤) سميت مصر باسم من أحدثها ، وهو مصر بن مصرايم بن حام بن نوح.
فتحها عمرو بن العاص في أيام عمر بن الخطاب ، رضي الله عنهما.
وهي مدينة يكتنفها من مبدئها في العرض إلى منتهاها جبلان أجردان غير شامخين يتقاربان جدّا في وضعهما : أحدهما في ضفة النيل الشرقية ، وهو جبل المقطم ، والآخر في الضفة الغربية منه ، والنيل منسرب بينهما من مدينة أسوان إلى أن ينتهيا إلى الفسطاط ، فثم تتسع مسافة ما بينهما ، وينفرج قليلا ويأخذ المقطم منها شرقا فيشرق على فسطاط مصر ، ويغرب الآخر على دراب بين مأخذهما وتعريج مسلكهما ، فتتسع أرض مصر من الفسطاط إلى ساحل البحر الرومي الذي عليه الفرما وتنّيس ودمياط والإسكندرية.
وكذلك الشمال منها إلى الرمل وأنت متوجه إلى القبلة شيئا ما ، فإذا بلغت آخر أرض مصر عدت ـ