الأولى : جواز طلب الولاية من الظلمة والكفرة على ما أفاده الظاهر ؛ لأن هذا الملك كان كافرا ، وطلب منه يوسف صلّى الله عليه الولاية ، وهذا هو تخريج المؤيد بالله للهادي عليهالسلام ، وهو قول أحمد بن عيسى ، وكثير من الفقهاء ، أخذا بهذا الظاهر ، وبما جرى من عادة العلماء في كثير من الأمصار ، ولأن الضرورة داعية إلى ذلك مع عدم الإمام.
والذي حصله أبو العباس للمذهب ـ وهو قول مشايخ المعتزلة ـ أن ذلك لا يجوز ، حتى قال أبو علي : إن التولية من جهتهم فسق ، واحتجوا على هذا بقوله تعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) [هود : ١١٣] وهذا ركون.
وذكر في هذه الآية وجوه :
الأول : أن يوسف صلّى الله عليه يصرّف عن نفسه ، وأن ملك مصر خلّى له الأمر ، ولهذا قال تعالى : (يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ) بالياء مضافا إلى يوسف ، وهي قراءة الأكثر.
وقراءة ابن كثير : (حيث نشاء) بالنون مضافا إلى الله تعالى.
ويروى أن الملك توّجه بتاجه وختّمه بخاتمه وروّاه بسيفه ، ووضع له سريرا من ذهب مكللا بالدر والياقوت.
وروي أنه قال له : أما السرير فأشد به ملكك ، وأما الخاتم فأدبّر به أمرك ، وأما التاج فليس من لباسي ولباس آبائي.
قال : فقد وضعته إجلالا لك ، وإقرارا بفضلك.
الوجه الثاني : ذكره مجاهد أنه كان قد أسلم.
الثالث : أنه إذا لم يتمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا باستئذان الظلمة والكفرة فإن الاستئذان لهم جائز بل واجب.
الرابع : أن هذا كان جائزا عقلا قبل ورود السمع.