فان التخيير عبارة عن كون الاختيار بيد المكلف في جعل احد المتعارضين حجة بينه وبين ربه حيث لا حجة له لفرض تساقط الحجتين ، وهذا المعنى بعد الاخذ باحد الخبرين يرتفع قطعا ، لأنه بعد الاخذ يكون ذا حجة بينه وبين ربه فيتبدل الموضوع لا محالة.
وقد يقال انه يجري استصحاب التخيير ، ولكن يعارضه استصحاب الحجية الفعلية ، فانه قبل الاخذ باحدهما كان مخيرا في الاخذ بايهما شاء ، وكان لكل منهما حجية شأنية ، فبعد الاخذ باحدهما ، صار ذلك حجة فعلية فاستصحاب التخيير يثبت الحجية الشأنية للمأخوذ ، فهو يعارض الحجية الفعلية فيه.
وأجاب الشيخ (١) عن هذه المعارضة ، في مبحث دوران الأمر بين المحذورين ، بان استصحاب التخيير ، حاكم على الاستصحاب الجاري في الحجية الفعلية ، إذ الشك في الحجية الفعلية بقاءً مسبب عن الشك في بقاء التخيير ، فلو جرى الأصل في السبب ، لا يجري في المسبب.
ولكن يرد عليه ان السببية في المقام لا تكون شرعية ، بل هما متلازمان كما هو واضح ، وقد مر انه يعتبر في تقدم الأصل السببي على الأصل المسببي على القول به ، ان تكون السببية شرعية ، وعلى ذلك لو فرض جريان استصحاب التخيير ، يعارضه استصحاب الحجية الفعلية في المأخوذ فيتساقطان.
فالمتحصّل مما ذكرناه ، انه بناءً على مسلك المشهور ، من ان الأصل الأولى
__________________
(١) فوائد الأصول ج ٤ ص ٤٠٠.