الأول : الترجيح بالاصدقية في المقبولة ، والأوثقيه في المرفوعة بتقريب : ان اعتبار هاتين الصفتين ليس إلا لترجيح الاقرب إلى المطابقة للواقع في نظر الناظر في المتعارضين ، من حيث انه اقرب من غير مدخلية خصوصية سبب ، فكل مزية موجبة لاقربية ذيها إلى الواقع تكون موجبة للترجيح.
وفيه : أولا انا لا نتصور معنى صحيحا معقولا للاصدقية : لان بعض الصفات والملكات قابل للشدة والضعف ، وفي امثال ذلك يتصور كون تلك الصفة والعرض والملكة في مورد اكثر واشد من ثبوتها في محل آخر.
وفي الصدق الذي هو بمعنى مطابقة الخبر للواقع ، لا يتصور ذلك فان من اخبر عن شيء ، اما ان يكون صادقا ، أو كاذبا ولا ثالث.
وعليه فلا بدَّ وان يحمل الاصدقية على ارادة ان المتصف به يتكلم بالصدق اكثر من مقابله ، وان كان هو أيضاً صادقا لو تكلم ، لكنه لعدم وجوب كل صدق لا يكون مقيدا بالاخبار بما هو صادق ، بخلاف هذا الشخص مثلا ورد ان أبا ذر اصدق الناس ، وهو إنما يكون لأجل انه كان مقيدا بان يخبر بالاخبار الصادقة وحين ما سأله المشركون عن حمله ، قال النبي (ص) ، مع انه لم يكن يجب عليه ذلك.
وعلى هذا ، فالترجيح بهذه الصفة تعبد محض وليس ذلك لأجل الاقربية إلى الواقع كما هو واضح.
وثانيا : انه لم يعلل الترجيح بهما بالاقربية إلى الواقع ، ولعله في اقربية الاصدقية والأوثقية خصوصية في الترجيح ، كما في الظن الحاصل من خبر الواحد : فانه لا يتعدى منه إلى كل ما يوجب الظن.