[ج] ـ «وعالم تارك لعلمه» : غیر عامل بمقتضاه من التجنُّب عن الأخلاق الفاسدة ، وأعمال قُوَّتيهِ الشَّهَويةِ والغضبيةِ ، وتطلُّبِهِ الدّنيا وزُهرتَها ، والإكثار من زخارفها ومشتهياتها ، وتسرُّعه إلى الفتاوى والحكومة بين العباد ، وإنما كان عذاب العالم أكثرَ وأشدَّ ؛ لأنَّ نفسه أقوى ، ومعرفته بقبائح الأعمال الصادرة منه أتمّ ، فتألُّمه وتحسُّرهُ أشدّ ، كما أن ثوابه مع العمل أعظم.
[د] ـ «لَيَتأذَّونَ من ريح العالم» : قيل : إنّ هذا النتن موجود في الدنيا أيضاً ، إلّا أنّ الشامّة القاصرة لا تدركها ، والآخرة محل بروز الكامنات.
[هـ] ـ «والهوى» : هو ميل النفس الأمَّارة بالسوء إلى مقتضی طباعها من الانغمار في اللَّذات على أنواعها ، واتّباع الهوى يصد عن الحق لا محالة ، أي يحجب القلب عن فهم المعارف ؛ لأنه يضاد العلم والمعرفة ، وحبُّ الشيء يُعمي ويُصِمُّ ، ويكون المتبع لهواه مشركاً بالشرك الخفي ، أفرأيت من اتَّخذ إلهه هواه (١) ، عصمنا الله وإياك.
[و] ـ «وطول الأمل يُنسي الآخرة» : لأنه يورث قسوة القلب ، وقاسي القلب بعيد عن الآخرة ؛ لأنه شائق إلى الدنيا ، ومن أحبّ شيئاً واشتاقه بعّد عن نفسه اضداده ، وقرّب إليها ملائماته ، فيرى أن على نفسه من حبّه غشاوة مظلمة ، فلا يكاد يتطبَّع فيه الحق.
__________________
(١) اقتباس من آية ٤٣ من سورة الفرقان.