منهم إلا القليل ، فقالوا : إن ظهرنا لهؤلاء أفتونا ولم يبق للدين أحد يدعو إليه ، فقالوا : تعالوا نتفرق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا به عيسى عليهالسلام ، يعنون محمدا صلىاللهعليهوسلم فتفرقوا في غيران الجبال ، وأحدثوا رهبانية فمنهم من تمسك بدينه ومنهم من كفر ، ثم تلا هذه الآية : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) الآية ، (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ) يعني من ثبتوا عليها أجرهم ، ثم قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «يا ابن أم عبد أتدري ما رهبانية أمتى»؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : «الهجرة والجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة والتكبير على التلاع» (١).
وروي عن أنس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن لكل أمة رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله».
[٢١٣٥] وروي سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت ملوك بني إسرائيل بعد عيسى عليهالسلام بدّلوا التوراة والإنجيل ، وكان فيهم مؤمنون يقرءون التوراة والإنجيل ويدعونهم إلى دين الله فقيل لملوكهم لو جمعتهم هؤلاء الذين [تشيعوا](٢) شقوا عليكم فقتلتموهم أو دخلوا فيما نحن فيه ، فجمعهم ملكهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل إلا ما بدلوا منها ، فقالوا : نحن نكفيكم أنفسنا فقالت طائفة ابنوا لنا اسطوانة ، ثم ارفعونا إليها ثم أعطونا شيئا نرفع به طعامنا وشرابنا ، ولا نرد عليكم ، وقالت طائفة : دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش ، فإن قدرتم علينا بأرض فاقتلونا ، وقالت طائفة : ابنوا لنا دورا في الفيافي نحتفر الآبار ونحترث البقول فلا نرد عليكم ولا نمرّ بكم ، ففعلوا بهم ذلك فمضى أولئك على منهاج عيسى عليه الصلاة والسلام ، وخلف قوم من بعدهم ممن قد غيّر الكتاب ، فجعل الرجل يقول نكون في مكان فلان فنتعبد كما تعبد فلان ونسيح كما ساح فلان ونتخذ دورا كما اتخذ فلان وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم فذلك قوله عزوجل : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) أي ابتدعها هؤلاء الصالحون فما رعوها حق رعايتها ، يعني الآخرين الذين جاءوا من بعدهم ، فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم ، يعني الذين ابتدعوها ابتغاء رضوان الله (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) [هم] الذين جاءوا من بعدهم ، قال : فلما بعث النبي صلىاللهعليهوسلم ولم يبق منهم إلّا قليل حتى هبط (٣) رجل من صومعته وجاء سياح من سياحته وصاحب دير من ديره وآمنوا به.
__________________
[٢١٣٥] ـ حسن. وأخرجه أحمد ٣ / ٢٦٦ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ٢٥٦ وأبو يعلى ٤٢٠٤ من طريق ابن المبارك عن سفيان عن زيد العمي عن أبي إياس عن أنس به.
ـ وإسناده ضعيف.
ـ قال الهيثمي في «المجمع» ٥ / ٢٧٨ : رواه أبو يعلى وأحمد إلا أنه قال : «لكل نبي رهبانية ...» وفيه زيد العمي وثقه أحمد وغيره ، وضعفه أبو زرعة وغيره ، وبقية رجاله رجال الصحيح.
ـ وله شاهد من حديث أبي أمامة ، أخرجه أبو داود ٢٤٨٦ وفيه القاسم بن عبد الرحمن ضعفه غير واحد.
ـ وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري أخرجه أحمد ٣ / ٨٢ من طريق إسماعيل بن عياش عن الحجاج بن مروان الكلاعي وعقيل بن مدرك السلمي عن أبي سعيد الخدري.
ـ وأخرجه أبو يعلى ١٠٠٠ من طريق يعقوب القمي عن ليث عن مجاهد عن أبي سعيد الخدري.
ـ وإسناده ضعيف ، لضعف ليث بن أبي سليم.
ـ وللحديث شواهد ، فهو حسن إن شاء الله ، والله أعلم.
ـ وانظر : «فتح القدير» ٢٤٦٠ للشوكاني بتخريجي.
(١) في المخطوط «القلاع».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «انحط» والمثبت عن المخطوط.