(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨) لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩))
فقال الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) ، الخطاب لأهل الكتابين من اليهود والنصارى ، يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى اتقوا الله في محمد صلىاللهعليهوسلم (وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) ، محمد صلىاللهعليهوسلم ، (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ) ، نصيبين ، (مِنْ رَحْمَتِهِ) ، يعني يؤتكم أجرين لإيمانكم بعيسى عليه الصلاة والسلام ، والإنجيل وبمحمد صلىاللهعليهوسلم والقرآن ، وقال قوم : انقطع الكلام عند قوله (وَرَحْمَةً) ثم قال : ورهبانية ابتدعوها وذلك أنهم تركوا الحق فأكلوا الخنزير وشربوا الخمر وتركوا الوضوء والغسل من الجنابة والختان ، فما رعوها يعني الطاعة والملة (حَقَّ رِعايَتِها) كناية عن غير مذكور (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) ، وهم أهل الرأفة والرحمة وكثير منهم فاسقون ، وهم الذين ابتدعوا الرهبانية ، وإليه ذهب مجاهد ، معنى قوله : (إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) على هذا التأويل ما أمرناهم وما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله ، وما أمرناهم بالترهب. قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) أي يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى اتقوا الله وآمنوا برسوله محمد صلىاللهعليهوسلم يؤتكم كفلين نصيبين من رحمته.
[٢١٣٦] وروينا عن أبي موسى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل كانت له جارية فأدبها فأحسن أدبها (١) ثم أعتقها وتزوجها ، ورجل من أهل الكتاب آمن بكتابه وآمن بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وعبد أحسن عبادة الله ونصح سيده» (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) ، قال ابن عباس ومقاتل : يعني على الصراط ، كما قال : (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) [التحريم : ٨] ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النور هو القرآن. وقال مجاهد : هو الهدى والبيان ، أي يجعل لكم سبيلا واضحا في الدين تهتدون به. (وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، وقيل : لما سمع من لم يؤمن من أهل الكتاب قوله عزوجل : (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ) [القصص : ٥٤] قالوا للمسلمين : أما من آمن منا بكتابكم فله أجره مرتين لإيمانه بكتابكم وبكتابنا وأما من لم يؤمن منا فله أجر كأجوركم فما فضلكم علينا؟ فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) فجعل (٢) لهم الأجر (٣) إذا آمنوا برسوله محمد صلىاللهعليهوسلم وزادهم النور والمغفرة.
ثم قال : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) ، قال قتادة : حسد الذين لم يؤمنوا من أهل الكتاب المؤمنين منهم ، فأنزل الله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) قال مجاهد : قالت اليهود يوشك أن يخرج منا نبي يقطع الأيدي والأرجل ، فلما خرج من العرب كفروا به ، فأنزل الله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) أي ليعلم و (لا) صلة ، (أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) ، أي ليعلم الذين لم يؤمنوا أنهم لا أجر لهم ولا نصيب لهم في فضل الله ، (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
__________________
[٢١٣٦] ـ تقدم في سورة القصص عند آية : ٥٤.
(١) في المطبوع «تأديبها» والمثبت عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «فيجعل» عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «الأجرين» والمثبت عن المخطوط.